السؤال (٢٩٢) : فضيلة الشيخ، ذكرتم من الأخطاء في ركعتي الطواف أن يدعو الإنسان بعد الركعتين، وهناك أيضاً من يدعو طويلاً ثم يمسح وجهه، فهل هذا خاص بركعتي الطواف، أو يعم في جميع السنن التي يصليها الإنسان؟
الجواب: في سؤالك هذا مسألتان:
المسألة الأولى: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء.
والمسألة الثانية: الدعاء بعد النافلة.
أما الأولى- وهي: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء -: فإنه وردت فيه أحاديث ضعيفة اختلف فيها أهل العلم.
فذهب شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: إلى أن هذه الأحاديث لا تقوم بها حجة؛ لأنها ضعيفة مخالفة لظاهر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما؛ فإنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء بأحاديث صحيحة، وأنه رفع يديه في ذلك، ولم يذكر أنه مسح بهما وجهه، وهذا يدل على أنه لم يفعله؛ لأنه لو فعله لتوافرت الدواعي على نقله ونقل، وممن رأى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: إن مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء بدعة.
ومن العلماء: من يرى أن هذه الأحاديث الضعيفة بمجموعها ترتقي إلى درجة الحسن لغيره، أي: درجة الحديث الحسن لغيره، ولأن الطرق الضعيفة إذا كثرت على وجه ينجبر بعضها ببعض، صارت من قسم الحسن لغيره، ومن هؤلاء ابن حجر العسقلاني في ((بلوغ المرام)) .
والذي يظهر لي: أن الأولى عدم المسح، أي: عدم مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء، لأنه وإن قلنا: إن هذا الحديث بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الحسن لغيره، فإنه يبقى متنه شاذاً، لأنه مخالف للظاهر من الأحاديث الصحيحة التي وردت بكثرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء، ولم يرد أنه مسح بهما وجهه.
وعلى كل حال: فلا أتجاسر على القول بأن ذلك بدعة، ولكني أرى أن الأفضل أن لا يمسح، ومن مسح فلا ينكر عليه؛ هذا بالنسبة للفقرة الأولى من سؤالك.
أما بالنسبة للثانية - وهي الدعاء بعد النافلة - فإن الدعاء بعد النافلة إن اتخذه الإنسان سنة راتبة، بحيث يعتقد أنه يشرع كلما سلم من نافلة أن يدعو، فهذا أخشى أن يكون بدعة؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، فما أكثر ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم النفل، ولم يرد عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بعده، ولو كان هذا من المشروع، لسنه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، إما بقوله أو بفعله أو بإقراره.
ثم إنه ينبغي أن يعلم: أن الإنسان ما دام في صلاته، فإنه يناجي ربه، فكيف يليق بالإنسان أن يدع الدعاء في الحال التي يناجي فيها ربه، ثم يأخذ في التضرع بعد انصرافه من صلاته وانقطاع مناجاته لله عز وجل في صلاته، فكان الأولى والأجدر بالإنسان أن يجعل الدعاء قبل السلام ما دام في الحال التي يناجي فيها ربه، وهذا المعنى أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو معنى حسن جيد، فإذا أردت أيها الأخ المسلم أن تدعو الله عز وجل فاجعل دعاءك قبل السلام، لأن هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في حديث عبد الله بن مسعود حين ذكر التشهد قال: ((ثم يتخير من الدعاء ما شاء)) (١) ، ولأنه أليق بحال الإنسان، لما أسلفنا من كونه في حال صلاته يناجي ربه.
أخطاء تقع في الطريق إلى المسعى، وفي المسعى
(١) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، رقم (٨٣٥) ، ومسلم كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، رقم (٤٠٢)