للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[السؤال (٣٠١) : فضيلة الشيخ، هل هناك أخطاء أيضا في عرفة يفعلها الحجاج غير ما ذكرتم؟]

الجواب: نعم هناك أخطاء أخرى في الوقوف بعرفة غير ما ذكرنا.

منها: أن بعض الحجاج يعتقدون أن للجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم قدسية خاصة؛ ولهذا يذهبون إليه، ويصعدون، ويتبركون بأحجاره وترابه، ويعلقون على أشجاره قصاصات الخرق، وغير ذلك مما هو معروف، وهذا من البدع؛ فإنه لا يشرع صعود الجبل ولا الصلاة فيه، ولا أن تعلق قصاصات الخرق على أشجاره؛ لأن ذلك كله لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه شيء من رائحة الوثنية؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم مر على شجرة للمشركين ينوطون بها أسلحتهم، فقالوا يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((الله أكبر، إنها السنن، لتركبن سنن من كان قبلكم، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) (الأعراف: ١٣٨) (١) ، وهذا الجبل ليس له قدسية خاصة بل هو كغيره من الروابي التي في عرفة، والسهول التي فيها، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام وقف هناك، فكان المشروع أن يقف الإنسان في موقف الرسول عليه الصلاة والسلام إن تيسر له، وإلا فليس بواجب، ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان الذهاب إليه لما سبق.

ومن الأخطاء في الوقوف بعرفة أيضا: أن بعض الناس يظن أنه لابد أن يصلي الإنسان الظهر والعصر مع الإمام في المسجد؛ ولهذا تجدهم يذهبون إلى ذلك المكان من أماكن بعيدة ليكونوا مع الإمام في المسجد، فيحصل عليهم من المشقة والأذى والتيه ما يجعل الحج في حقهم حرجا وضيقا، ويضيّق بعضهم على بعض، ويؤذي بعضهم بعضا، والرسول عليه الصلاة والسلام قال في الوقوف: ((وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف)) (٢) ، وكذلك أيضا قال ((جعلت لي الأرض مسجدا وطهوراً)) (٣) ، فإذا صلى الإنسان في خيمته صلاة يطمئن فيها بدون أذى عليه ولا منة، وبدون مشقة تلحق الحج بالأمور المحرجة، فإن ذلك خير له وأولى.

ومن الأخطاء التي يرتكبها الناس في الوقوف بعرفة: أن بعضهم يتسلل من عرفة قبل أن تغرب الشمس، فيدفع منها إلى مزدلفة، وهذا خطأ عظيم، وفيه مشابهة للمشركين الذين كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يدفع من عرفة إلا بعد أن غابت الشمس وذهبت الصفرة قليلا؛ كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه (٤) ، وعلى هذا: فإنه يجب على المرء أن يبقى في عرفة داخل حدودها حتى تغرب الشمس؛ لأن هذا الوقوف مؤقت بغروب الشمس، فكما أنه لا يجوز للصائم أن يفطر قبل أن تغرب الشمس، فلا يجوز للواقف بعرفة أن ينصرف منها قبل أن تغرب الشمس.

ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الوقوف بعرفة: إضاعة الوقت في غير فائدة، فتجد الناس من أول النهار إلى آخر جزء منه وهم في أحاديث قد تكون بريئة سالمة من الغيبة والقدح في أعراض الناس وقد تكون غير برئيه لكونهم يخوضون في أعراض الناس ويأكلون لحومهم، فإن كان الثاني فقد وقعوا في محذورين:

أحدهما: أكل لحوم الناس وغيبتهم، وهذا خلل حتى في الإحرام؛ لأن الله تعالى يقول: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَج) (البقرة: ١٩٧) .

والثاني: إضاعة الوقت.

أما إذا كان الحديث بريئا لا يشتمل على محرم، ففيه إضاعة الوقت، لكن لا حرج على الإنسان أن يشغل وقته بالأحاديث البريئة فيما قبل الزوال، وأما بعد الزوال وصلاة الظهر والعصر: فإن الأولى أن يشتغل بالدعاء والذكر وقراءة القرآن، وكذلك الأحاديث النافعة لإخوانه إذا مل من القراءة والذكر، فيتحدث إليهم أحاديث نافعة، في بحث من العلوم الشرعية أو نحو ذلك مما يدخل السرور عليهم، ويفتح لهم باب الأمل والرجاء لرحمة الله سبحانه وتعالى، ولكن لينتهز الفرصة في آخر ساعات النهار، فيشتغل بالدعاء ويتجه إلى الله عز وجل متضرعا إليه، مخبتا منيبا، طامعا في فضله، راجيا لرحمته، ويلح في الدعاء ويكثر من الدعاء الوارد في القرآن وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا خير الأدعية؛ فإن الدعاء في هذه الساعة حري بالإجابة.

أخطاء تقع في الطريق إلى مزدلفة، وفي مزدلفة


(١) أخرجه أحمد، والترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم، رقم (٢١٨٠) وقال: حسن صحيح.
(٢) تقدم تخريجه (٣٧٧)
(٣) تقدم تخريجه (١٦٢)
(٤) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم رقم (١٢١٨)

<<  <   >  >>