[السؤال (٣٠) : فضيلة الشيخ، ما هي صفة الحكم بغير ما أنزل الله؟]
الجواب: الحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يبطل حكم الله ليحل محله حكم آخر طاغوتي، بحيث يلغي الحكم بالشريعة بين الناس، ويجعل بدله حكم آخر من وضع البشر، كالذين ينحون الأحكام الشرعية في المعاملة بين الناس، ويحلون محلها القوانين الوضعية، فهذا لا شك أنه استبدال بشريعة الله سبحانه وتعالى غيرها، وهو كفر مخرج عن الملة، لأن هذا جعل نفسه بمنزلة الخالق، حيث شرع لعباد الله ما لم يأذن به الله، بل ما خالف حكم الله عز وجل، وجعله هو الحكم الفاصل بين الخلق، وقد سمى الله تعالى ذلك شركاً في قوله تعالى:(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)(الشورى: ٢١) .
القسم الثاني: أن تبقى أحكام الله عز جل على ما هي عليه، وتكون السلطة لها، ويكون الحكم منوطاً بها، ولكن يأتي حاكم من الحكام فيحكم بغير ما تقتضيه هذه الأحكام، يحكم بغير ما أنزل الله، فهذا له ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن يحكم بما يخالف شريعة الله معتقداً أن ذلك أفضل من حكم الله وأنفع لعباد الله، أو معتقداً أنه مماثل لحكم الله عز وجل، أو يعتقد أنه يجوز له الحكم بغير ما أنزل الله، فهذا كفر، يخرج به الحاكم من الملة، لأنه لم يرض بحكم الله عز وجل، ولم يجعل الله حكماً بين عباده.
الحال الثانية: أن يحكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباده، لكنه خرج عنه، وهو يشعر بأنه عاص لله عز وجل إنما يريد الجور والظلم للمحكوم عليه، لما بينه وبينه من عداوة، فهو يحكم بغير ما أنزل الله لا كراهة لحكم الله ولا استبدلاً به، ولا اعتقاداً بأنه - أي الحكم الذي حكم به - أفضل من حكم الله أو مساو له، أو أنه يجوز الحكم به، لكن من أجل الإضرار بالمحكوم عليه حكم بغير ما أنزل الله، ففي هذه الحال لا نقول: إن هذا الحاكم كافر، بل نقول: إنه ظالم معتد جائر.
الحال الثالثة: أن يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأنفع لعباد الله، وأنه بحكمه هذا عاص لله عز وجل، لكنه حكم لهوى في نفسه، لمصلحة تعود له أو للمحكوم له، فهذا فسق وخروج عن طاعة الله عز وجل، وعلى هذه الأحوال الثلاث يتنزل قول الله تعالى في ثلاث آيات (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة: ٤٤) وهذا ينزل على الحال الأولى، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(المائدة: ٤٥) ينزل على الحال الثانية، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(المائدة: ٤٧) ينزل على الحال الثالثة.
وهذه المسألة من أخطر ما يكون في عصرنا هذا، فإن من الناس من أولع وأعجب بأنظمة غير المسلمين، حتى شغف بها، وربما قدمها على حكم الله ورسوله، ولم يعلم أن حكم الله ورسوله ماض إلى يوم القيامة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الخلق عامة إلى يوم القيامة، والذي بعثه سبحانه وتعالى عالم بأحوال العباد إلى يوم القيامة، فلا يمكن أن يشرع لعباده إلا ما هو نافع لهم في أمور دينهم ودنياهم إلى يوم القيامة، فمن زعم أو توهم أن غير حكم الله تعالى في عصرنا أنفع لعباد الله من الأحكام التي ظهر شرعها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد ضل ضلالاً مبيناً، فعليه أن يتوب إلى الله وأن يرجع إلى رشده، وأن يفكر في أمره.