للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[السؤال (٣٠٠) : فضيلة الشيخ، بالنسبة للأخطاء التي يمكن أن يقع فيها بعض الحجاج في الخروج إلى عرفة، والوقوف بها؟]

الجواب: من الأخطاء في الذهاب إلى عرفة: أن الحجاج يمرون بك ولا تسمعهم يلبون، فلا يجهرون بالتلبية في مسيرهم من منى إلى عرفة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة في يوم العيد (١) .

ومن الأخطاء العظيمة الخطيرة في الوقوف بعرفة: أن بعض الحجاج ينزلون قبل أن يصلوا إلى عرفة، ويبقون في منزلهم حتى تزول الشمس، ويمكثون هناك إلى أن تغرب الشمس، ثم ينطلقون منه إلى مزدلفة، وهؤلاء الذين وقفوا هذا الموقف ليس لهم حج؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((الحج عرفة)) (٢) . فمن لم يقف في عرفة في المكان الذي هو منها، وفي الزمان الذي عين للوقوف بها، فإن حجه لا يصح، للحديث الذي أشرنا إليه.

وهذا أمر خطير، والحكومة السعودية - وفقها الله عز وجل - قد جعلت علامات واضحة لحدود عرفة لا تخفى إلا على رجل مفرّط متهاون، فالواجب على كل حاج أن يتفقد الحدود حتى يعلم أنه وقف في عرفة لا خارجها.

ومن الأخطاء في الوقوف بعرفة: أن بعض الناس إذا اشتغلوا بالدعاء في آخر النهار، تجدهم يتجهون إلى الجبل الذي وقف عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن القبلة تكون خلف ظهورهم أو عن أيمانهم أو عن شمائلهم، وهذا أيضا جهل وخطأ؛ فإن المشروع في الدعاء يوم عرفة أن يكون الإنسان مستقبل القبلة، سواء كان الجبل أمامه أو خلفه، أو عن يمينه أو عن شماله، وإنما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الجبل، لأن موقفه كان خلف الجبل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، وإذا كان الجبل بينه وبين القبلة، فبالضرورة سيكون مستقبلا له.

ومن الأخطاء التي يرتكبها الحجاج في يوم عرفة: أن بعضهم يظن أنه لابد أن يذهب الإنسان إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عند الجبل ليقف هناك، فتجدهم يتجشمون المصاعب، ويركبون المشاق، حتى يصلوا إلى ذلك المكان، وربما يكونون مشاة جاهلين بالطرق؛ فيعطشون ويجوعون إذا لم يجدوا ماء وطعاما، ويضلون ويتيهون في الأرض، ويحصل عليهم ضرر عظيم بسبب هذا الظن الخاطئ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف)) (٣) ، وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير إلى أنه ينبغي للإنسان أن لا يتكلف ليقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم، بل يفعل ما يتيسر له؛ فإن عرفة كلها موقف.

ومن الأخطاء أيضا حال الوقوف بعرفة: أن بعض الناس يعتقدون أن الأشجار في عرفة كالأشجار في منى ومزدلفة، أي: أنه لا يجوز للإنسان أن يقطع منها ورقة أو غصنا أو ما أشبه ذلك؛ لأنهم يظنون أن قطع الشجر له تعلق بالإحرام كالصيد، وهذا ظن خطأ؛ فإن قطع الشجر لا علاقة له بالإحرام، وإنما علاقته بالمكان، فما كان داخل حدود الحرم، أي: داخل الأميال من الأشجار، فهو محترم، لا يعضد ولا يقطع منه ورق ولا أغصان، وما كان خارجا عن حدود الحرم، فإنه لا بأس بقطعه، ولو كان الإنسان محرما.

وعلى هذا: فقطع الأشجار في عرفة لا بأس به، ونعنى بالأشجار هنا الأشجار التي حصلت بغير فعل الحكومة، وأما الأشجار التي حصلت بفعل الحكومة، فإنه لا يجوز قطعها، لا لأنها محترمة احترام الشجر في داخل الحرم، ولكن لأنه اعتداء على حق الحكومة وعلى حق الحجاج أيضا؛ لأن الحكومة ـ وفقها الله ـ غرست أشجارا في عرفة؛ لتلطيف الجو، وليستظل بها الناس من حر الشمس، فالاعتداء عليها اعتداء على حق الحكومة وعلى حق المسلمين عموما.

أخطاء تقع في الوقوف بعرفة ((تتمة))


(١) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب الركوب والارتداف في الحج، رقم (١٥٤٣، ١٥٤٤) ، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة، رقم (١٢٨١) .
(٢) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة، رقم (١٩٤٩) ، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، رقم (٨٩٩) ، والنسائي، كتاب الحج، باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة، رقم (٣٠٤٤) ، وابن ماجه، كتاب ((المناسك)) باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، رقم، (٣٠١٥) ، وأحمد في ((المسند)) (٤/٣٠٩، ٣١٠) ، والحاكم في ((المستدرك)) (١/٤٦٤) ، والبيهقي في ((سننه)) (٥/١١١٦، ١٧٣) ، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في (٠ الإرواء)) رقم (١٠٦٤)
(٣) تقدم تخريجه (٣٧٧)

<<  <   >  >>