للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[السؤال (٥٦) : فضيلة الشيخ، ما هو التوسل الصحيح والتوسل الباطل؟]

الجواب: التوسل: مصدر توسل يتوسل، إذا اتخذ وسيلة توصله إلى مقصوده، فأصله: طلب الوصول إلى الغاية المقصودة، وينقسم إلى قسمين:

قسم صحيح: وهو التوسل بالوسيلة الصحيحة الموصلة إلى المطلوب.

وقسم غير صحيح: وهو التوسل بوسيلة لا توصل إلى المقصود.

فأما الأول: وهو التوسل بالوسيلة الموصلة إلى المقصود:

فإنه أنواع: منها: التوسل بأسماء الله وصفاته، سواء كان ذلك على سبيل العموم أو على سبيل الخصوص، مثاله على سبيل العموم: ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في دعاء الهم والغم: قال " اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي.." (١) ، إلى آخره، فهنا توسل بأسماء الله على سبيل العموم، وذلك في قوله: " أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك".

أما الخصوص: فأن يتوسل باسم خاص، لحاجة خاصة تناسب هذا الاسم، مثل ما جاء في حديث أبي بكر رضي الله عنه، حيث طلب من النبي صلى الله عليه وسلم دعاء يدعو به في صلاته، فقال: " قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كبيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم" (٢) ، فطلب المغفرة والرحمة، وتوسل إلى الله تعالى باسمين من أسمائه مناسبين للمطلوب، فقال "إنك أنت الغفور الرحيم" وهذا النوع من التوسل داخل في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) (الأعراف: ١٨٠) ، فإن الدعاء هنا يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة.

أما التوسل إلى الله تعالى بصفاته، فهو أيضاً كالتوسل بأسمائه، يكون عاماً وخاصا، أما العام فأن تقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا، ثم تذكر مطلوبك، وإما الخاص فأن تتوسل إلى الله تعالى بصفة معينة خاصة لمطلوب خاص، مثل ما جاء في الحديث: " اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي" (٣) ، فهنا توسل إلى الله تعالى بصفة العلم والقدرة " بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق".. هذا نوع.

النوع الثاني: أن يتوسل الإنسان إلى الله عز وجل، بالإيمان به وبرسوله فيقول: اللهم إني آمنت بك وبرسولك، فاغفر لي أو فوقفني أو يقول " اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا"، ومنه قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (: ١٩٠) (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) (آل عمران١٩١) إلى قوله: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) (آل عمران: ١٩٠-١٩٣) ، فتوسلوا إلى الله تعالى بالإيمان به، أن يغفر لهم الذنوب، ويكفر عنهم السيئات ويتوفاهم مع الأبرار.

النوع الثالث: أن يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالعمل الصالح، ومنه قصة النفر الثلاثة الذين آووا إلى غار ليبيتوا فيه، فانطبق عليهم الغار، انطبق عليهم بصخرة لا يستطيعون زحزحتها، فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح فعله، أحدهم توسل إلى الله تعالى ببره بوالديه، والثاني بعفته التامة، والثالث بوفائه لأجيره، قال: كل منهم اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فأفرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة (٤) ، فهذا توسل إلى الله عز وجل بالعمل الصالح.

النوع الرابع: أن يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله، يعني أن الداعي يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله وما هو عليه من الحاجة، ومنه قول موسى عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص: ٢٤) ، فهو بذلك يتوسل إلى الله بذكر حاله أن ينزل إليه الخير، ويقرب من ذلك قول زكريا عليه الصلاة والسلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً) (مريم: ٤) ، فهذه أنواع من التوسل كلها جائزة، لأنها أسباب صالحة لحصول المقصود بالتوسل بها.

نوع خامس من التوسل


(١) أخرجه أحمد في المسند (١/٣٩١)
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، رقم (٨٣٤) ، ومسلم كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، رقم (٢٧٠٥) .
(٣) أخرجه البخاري، كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، رقم (٥٦٧١) ، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب كراهية تمني الموت لضر نزل به، رقم (٢٦٨٠) بدون ذكر أوله وأخرجه كاملاً النسائي، كتاب السهو، باب نوع آخر، رقم (١٣٠٥) ، وأحمد (٤/٢٦٤)
(٤) أخرجه البخاري، كتاب الإجارة، باب من استأجر أجيراً فترك أجره، رقم (٢٢٧٢) ، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة، رقم (٢٧٤٣) .

<<  <   >  >>