من عوامل نجاح الدعوة أن ينزل الداعية الناس منازلهم ويحدثهم بما يعرفون، فمن كان من أهل الوجاهة في قومه أنزله المنزلة التي تليق به، ومن كان شيخا للقبيلة أنزله منزلته وهكذا ... إلخ، فلكل مقام مقال، وكل حادثة حديث، فلا بد من معرفة أحوال الناس ومراعاة ظروفهم وأحوالهم، وما يناسب مداركهم وأفكارهم وأفهامهم، ولا بد من معرفة الأسلوب الأمثل والمؤثر حتى يسلكه الداعية في دعوته وحديثه مع الناس، فلا يأتي لهم بما لا يطيقون ولا يدركون، فيكذبونه، وقد قال علي -رضي الله عنه:"حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله". ويقول ابن مسعود -رضي الله عنه:"ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة". وحديث الناس بما يعرفون، أي ما يناسب عقولهم، وما تستوعبه مداركهم وأفهامهم، ويكون حديثه معهم بالتدرج في أمور الشرع وأحكامه، وفي الأمور التكليفية كذلك، ويقول أيضا: على المتحدث مراعاة توفر رغبة الناس في الحديث عند التحدث إليهم، كما أمر بالتوقف عن الموعظة عند انصراف قلوب المخاطبين عن المتحدث، فقد روى الإمام البغوي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال:"حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم١ وأقبلت عليك قلوبهم، فإذا انصرفت عنك قلوبهم فلا تحدثهم".
قيل: وما علامة ذلك؟ قال: إذا التفت بعضهم إلى بعض، ورأيتهم يتثاءبون لا تحدثهم.
١ "حدجوك بأبصارهم" أي رموك بها. يريد: حدثهم ما داموا يشتهون الحدث فإذا أعرضوا عنك فاسكت. "شرح السنة: ١/ ٣١٤".