ما تقرره كتب السيرة في صلح الحديبية الذي كان وقعه شديدًا على المسلمين:"لما انتهى أمر الصلح، أمر عليه الصلاة والسلام أصحابه أن يحلقوا رؤوسهم، وينحروا الهدي ليتحللوا من عمرتهم، فاحتمل المسلمون من ذلك همًّا عظيمًا، حتى إنهم لم يبادروا بالامتثال، فدخل -صلى الله عليه وسلم- على أم المؤمنين أم سلمة وقال لها: "هلك المسلمون، أمرتهم فلم يمتثلوا" فقالت: يا رسول الله؟ اعذرهم فقد حملت نفسك أمرًا عظيمًا في الصلح، ورجع المسلمون من غير فتح، فهم لذلك مكروبون، ولكن يا رسول الله اخرج إلى الناس، وابدأهم بما تريد، فإذا رأوك فعلت اتبعوك. فتقدم -صلى الله عليه وسلم- إلى هديه فنحره، ودعا بالحلاق فحلق رأسه، فلما رآه المسلمون تواثبوا على الهدي فنحروه وحلقوا"، فبادر إلى التطيبق بحيث تكون داعية بأفعالك قبل أقوالك، ولا يغيب عن البال أن القدوة الحسنة لها تأثير عظيم في نفوس من تدعوهم، وكما قيل: حال رجل في ألف رجل أفضل من وعظ ألف رجل في رجل، فكن مثالا في الخير أسوة في السلوك، وإياك إياك والإنحدار.... فإن الذي ينحدر، ويهوي لن يستطيع الصعود، ولن يقدر أن يتسلق سلم الطاعات، فلا ينسى الداعية أن الناس ينظرون إليه نظر قدوة، على أنه مثلهم الأعلى الذي يرون في سلوكه مصداق ما يدعو إليه، فإن زل زلوا معه، فإن عاد إلى الصواب بعد ذلك قد لا يعودون؛ لأنهم فقدوا مصداقيته، ثم إن الناس لا ينظرون إلى خطأ الداعية أو العالم كما ينظرون إلى أخطاء العامة، فإن الخطأ من العالم وإن كان صغيرا يراه الناس في أعينهم كبيرا، وقد يستغله ضعاف الإيمان، أو من في قلوبهم مرض للنيل من الإسلام نفسه، فقد يستهزؤن بالعالم