للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو الداعية مستخفين به وبدعوته، ويجعلونه حجة على الإسلام مع أن الإسلام حجة على الناس، وأخطاء الناس ليست حجة على الإسلام، ويكون سبب ذلك زلة العالم أو الداعية فاحذر أخي الداعية من أي زلة فإن لها عواقب وخيمة، ولنا في سلفنا الصالح القدوة الحسنة. والمثال على ذلك ما حصل من تمسك شديد، وعدم التنازل والثبات على الدين والمبدأ عند إمام أهل السنة الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في فتنة القول بخلق القرآن في عهد المأمون -وقد بسط القول في ذلك في سيرته- والداعية يكون قدوة في الورع؛ لأن الورع يجعله يترك كثيرًا من المباحات إن التبست عليه مع الحرام، ومن العلامات الأساسية للورعين شدة حذرهم من الحرام، وضعف جرأتهم على ما يجر إليه، فالورع الحقيقي كما وصفه يونس بن عبيد "الخروج من كل شبهة والمحاسبة عن كل طرفة عين"١. ورحلة الانحدار تبدأ بزلة قدم واحدة، والحريص على آخرته يجعل بينه، وبين الانزلاق وقايات تستره وتحميه. عن عبد الله بن العلاء قال: سمعت الخشني يقول: قلت: يا رسول الله أخبرني بما يحل لي ويحرم علي، قال فصعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وصوب فيَّ النظر فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس، ولم يطمئن إليه القلب، وإن أفتاك المفتون" ٢.

والورع يشمل الكتسب والمعاملات واللسان، وقد نظر ابن قيم الجوزية في أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم. فوجد أنه جمعها في جملة واحدة


١ تهذيب مدارج السالكين عن كتاب هذه أخلاقنا.
٢ صحيح الجامع وهو صحيح، مسند الإمام أحمد. باب مسند الشاميين: "١٧٢٨٨".

<<  <   >  >>