للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التفرق والاختلاف.

يقول ابن رجب الحنبلي في كتابه جامع العلوم والحكم: "وأما النصيحة لأئمة المسلمين فحب صلاحهم ورشدهم، وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهة افتراق الأمة عليهم والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل، والبغض لمن رأى الخروج عليهم".

وكذلك الدعاء لهم بالهداية ومعاونتهم على الحق، وطاعتهم في غير معصية الله تعالى، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وبما أن الداعية لا بد أن يختلط بالناس فعليه أن يصبر على أذاهم وأن يجنبهم أذاه، فلا يعسر عليهم حيث يمكن التيسير، ولا يشق عليهم حيث يمكن التخفيف، ولما لشخصية الداعية الميسر من كبير الأثر في نفوس المدعوين، فقد حمل النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الوصية للصاحبين، أبي موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- قبل إرسالهما إلى اليمن، فقال -صلى الله عليه وسلم: "يسرا ولا تعسرا وبشرا، ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا" ١، ولم يكن صلوات ربي وسلامه عليه يقبل من أصحابه أي نوع من الغلظة والجفاء والإحراج، وإنما كان يقول لهم كما جاء في الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاء أعرابي، فقام يتبول فقال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم: مه، مه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا تزرموه دعوه"، فتركوه حتى بال، ثم إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعاه فقال: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى والصلاة، وقراءة القرآن، ثم أمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فأراقه عليه" ٢.


١ صحيح الإمام البخاري "٣٠٣٨"، ومثله عند مسلم برقم "١٧٣٣".
٢ صحيح الإمامين البخاري ومسلم في باب الطهارة: "٣/ ٤٢٩".

<<  <   >  >>