للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعثهم الله إلى القرية للخسف بها، وكان فيها رجل عابد في صومعته فقال الله تعالى: به ابدءوا فإنه لم يتمعر وجهه في قط.

فالداعية مطلوب منه أن يكون على درجة عالية من معرفة درجات تغيير المنكر، وأن يكون على دراية واعية بهذا الباب من جميع جوانبه حتى لا يقع في المحذور وهو لا يعلم، فيريد أن يغير منكرًا فيقع في منكر أشد منه وقد قال سبحانه: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} ١، وليس معنى هذا السكوت على المنكر، لكن الأمر يحتاج إلى حكمة ومعرفة ودراية بالمنكر أنه منكر، ومن الأمور التي لا بد من معرفتها في تغيير المنكر أن يكون الناصح رفيقًا حكيمًا، فاعلًا لما يأمر به منتهيًا عما ينهى عنه، فمن الخطأ أن يقع الداعية في فعل ما ينهى عنه، أو ترك ما يأمر به أو يتبع سبيل العنف والغلظة والطيش والتهور، بينما الأصل في النصيحة الرفق واللين، والحكمة وفي الحديث المتفق عليه: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله" ٢ إذًا الرفق مطلوب من الداعية فيكون الداعية رفيقًا حكيمًا فيما يأمر به، وفيما ينهى عنه ويبتعد كل البعد عن الشدة، والغلظة والعنف والإثارة، وقد قال سبحانه وتعالى لصفوة خلقه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} ٣.

والذي نحب أن نصل إليه لرفع اللبس والحيرة، نقول: المنكر لا بد من السعي والعمل على تغييره، والمعروف لا بد من الأمر به،


١ سورة الأنعام: من الآية ١٠٨.
٢ في الصحيحين البخاري ومسلم. تقدم تخريجه: ص٢١.
٣ سورة آل عمران: الآية ١٥٩.

<<  <   >  >>