للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.. فاحمرّ وجهه وقال:

«رحم الله أخي موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» .

وبال أعرابيّ في المسجد بحضرته، فهمّ به أصحابه، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا تزرموه» ؛ أي: لا تقطعوا عليه البول.

يا محمد» ، وخاطبه خطاب المواجهة بحضرة الملأ؛ حتّى استأذن عمر وخالد النبيّ صلّى الله عليه وسلم في قتله؛ فقال: «معاذ الله أن يتحدّث النّاس أنّ محمّدا يقتل أصحابه» ! فهذه هي العلّة. وسلك معه مسلكه مع غيره من المنافقين الذين آذوه، وسمع منهم في غير موطن ما كرهه؛ لكنّه صبر! استبقاء لانقيادهم وتأليفا لغيرهم؛ لئلا يتحدّث النّاس أنّه يقتل أصحابه؛ فينفروا، وقد رأى هذا الصنف في جماعتهم وعدّوه من جملتهم.

(فذكر ذلك) القول (للنّبيّ صلّى الله عليه وسلم فاحمرّ وجهه) ، وغضب غضبا شديدا؛ لنسبته إلى الجور، وقد جبل الله تعالى النفس على التألّم بما يفعل بها، والتألّم سبب للانتقام من المؤلم، ولهذا شقّ عليه هذا القول، لكنه لكمال حلمه صلّى الله عليه وسلم تحمّله من فاعله؛ فلم ينتقم منه.

(وقال: «رحم الله أخي موسى) بن عمران الإسرائيليّ؛ (قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» ) أي: آذاه قومه بأشدّ مما أوذيت به فصبر على إيذائهم.

قال العراقي: متفق عليه؛ من حديث ابن مسعود. ورواه الإمام أحمد أيضا عنه. انتهى «شرح الإحياء» .

(و) في «الإحياء» : (بال أعرابيّ في المسجد) النّبوي (بحضرته) صلى الله عليه وسلم (فهمّ به أصحابه) أي: قصدوا منعه عن ذلك؛ (فقال صلّى الله عليه وسلم: «لا تزرموه» ) - بضم التاء الفوقية وسكون الزاي- (أي: لا تقطعوا عليه البول) فإنّه يضرّ البائل.

قال ذلك شفقة عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>