وقال صلّى الله عليه وسلّم:«والله إنّي لأمين في السّماء، أمين في الأرض» . وورد أنّ أبا جهل قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّا لا نكذّبك، وما أنت فينا بمكذّب، ولكن نكذّب بما جئت به. فأنزل الله فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام: ٣٣] .
ففرش صلّى الله عليه وسلم رداءه المبارك، ووضع الحجر عليه، وأمر كلّ رئيس أن يأخذ بطرف منه، وهو آخذ من تحته، فلما فعلوا ذلك وحملوه إلى قرب موضعه أخذه صلّى الله عليه وسلم بيده الشريفة فوضعه في ركن البيت، ثم بنى عليه، فكان شرف الوضع له.
(وقال صلّى الله عليه وسلم) فيما رواه ابن أبي شيبة في «مصنّفه» عن أبي رافع (: «والله؛ إنّي لأمين في السّماء) ؛ أي: عند الله وملائكته المقرّبين (أمين في الأرض» ) عند المؤمنين وغيرهم من المجرمين، لكمال أمانته وظهور ديانته، وعدم خلفه في وعده، وتحقّق صدقه؛ يعني أنّه مشهور بذلك بين الملأ الأعلى وبين أهل الأرض.
وفيه دليل على جواز مدح الإنسان نفسه، مؤكّدا بالقسم؛ إذا دعت الحاجة إلى إظهار ذلك.
(وورد) فيما رواه الترمذيّ، والحاكم عن عليّ رضي الله تعالى عنه (أنّ أبا جهل) لعنه الله (قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلم: إنّا لا نكذّبك) - بالتشديد، و [لا نكذبك] بالتخفيف- أي: لا ننسبك إلى الكذب، (وما أنت فينا بمكذّب) لثبوت صدقك، (ولكن نكذّب) بالتشديد لا غير (بما جئت به) ؛ من القرآن والإيمان بالتوحيد والبعث ونحو ذلك، فدلّت هذه المناقضة الظاهرة على أن كفر أكثرهم كان عنادا.
( [فأنزل الله) فيما قاله، وهو سبب نزول هذه الآية (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ [٣٣/ الأنعام] ) بالتشديد، وقرأ نافع والكسائي [لا يُكَذِّبُونَكَ] بالتخفيف (الآية] ) أي: اقرأ الآية، وتمامها وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣)[الأنعام] أي:
ينكرونه، فتكذيبهم في الحقيقة راجع إلى ربهم، ففيه وعيد أكيد وتهديد شديد لهم، وتسلية له صلّى الله عليه وسلم.