للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من يشتري هذا العبد؟» ، فقال: يا رسول الله؛ إذن والله تجدني كاسدا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لكن عند الله لست بكاسد» ، أو قال: «أنت عند الله غال» ...

(فجعل) أي: شرع (النّبيّ صلّى الله عليه وسلم يقول: «من يشتري هذا العبد!؟» ) أي: من يشتري مثل هذا العبد في الدّمامة، أو من يستبدله منّي بأن يأتي بمثله، فلما فعل ذلك معه ملاطفة نزّله منزلة العبد.

ويؤخذ من ذلك جواز رفع الصوت بالعرض على البيع، وجواز تسمية الحرّ عبدا، ومداعبة الأعلى مع الأدنى.

(فقال) أي زاهر (: يا رسول الله؛ إذن) ؛ واقعة في جواب شرط محذوف.

أي: إن بعتني على فرض كوني عبدا إذن (والله تجدني كاسدا) رخيصا، لا يرغب فيّ أحد لدمامتي وقبح منظري.

(فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلم) ؛ أي: مدحا له.

ويؤخذ جواز مدح الصّديق بما يناسبه (: «ولكن عند الله لست بكاسد» ) أي: لكونك حسن السريرة؛ وإن كنت دميما في الظاهر

(أو) شكّ من الراوي (قال: «أنت عند الله غال» ) - بغين معجمة- وهو ضدّ الكاسد، وذلك ببركة محبّته صلّى الله عليه وسلم.

وقد تضمّن هذا الحديث حكما عليّة وأسرارا جليّة، لأنّه لمّا أتاه المصطفى صلّى الله عليه وسلم وجده مشغوفا ببيع متاعه، فأشفق عليه أن يقع في بئر البعد عن الحقّ، ويشتغل عن الله تعالى؛ فاحتضنه احتضان المشفق على من أشفق عليه، فشقّ عليه الاشتغال بما يهواه، فقال: أرسلني لما أنا فيه!!. فلما شاهد جمال الحضرة العليّة اجتهد في تمكين ظهره من صدره ليزداد إمدادا، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم تأديبا له: «من يشتري هذا العبد» !! إشارة إلى أنّ من اشتغل بغير الله فهو عبد هواه.

فببركته صلّى الله عليه وسلم حصلت منه الإنابة وصادفته العناية، فلذلك بشّره النّبيّ صلّى الله عليه وسلم بعلوّ

<<  <  ج: ص:  >  >>