فلمّا افترض رمضان.. كان رمضان هو الفريضة، وترك عاشوراء، وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون صيامه صلى الله عليه وسلّم استئلافا لليهود؛ كما استألفهم باستقبال قبلتهم، وبالسدل، وغير ذلك!! وعلى كلّ حال؛ فلم يصحّ اقتداؤه بهم، فإنه كان يصومه قبل ذلك في الوقت الذي كان فيه يحبّ موافقة أهل الكتاب؛ فيما لم ينه عنه، فلما فتحت مكّة واشتهر أمر الإسلام أحبّ مخالفة أهل الكتاب؛ كما ثبت في «الصحيح» ، فهذا من ذلك. فوافقهم أوّلا؛ وقال:
«نحن أحقّ منكم بموسى» عليه الصّلاة والسّلام، فلما أحبّ مخالفتهم؛ قال في آخر حياته:«لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ التّاسع» .
قال بعض العلماء: وهذا يحتمل أمرين: أحدهما: أنّه أراد نقل العاشر إلى التاسع. والثاني: أن يضيفه إليه في الصوم؛ مخالفة لليهود في إفرادهم اليوم العاشر. وهذا هو الراجح. ويشعر به بعض روايات مسلم.
ولأحمد؛ من حديث ابن عبّاس مرفوعا:«صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، وصوموا يوما بعده» . ولذا قال بعض المحققين: صيام يوم عاشوراء على ثلاث مراتب: ١- أدناها: أن يصام وحده، ٢- وفوقه: أن يصام التاسع معه، ٣- وفوقه: أن يصام التاسع والحادي عشر معه. انتهى. من «جمع الوسائل» .
(فلمّا افترض) - بالبناء للمجهول- (رمضان) ؛ أي: افترض الله صوم رمضان في شعبان في السنة الثانية من الهجرة (كان رمضان هو الفريضة) ؛ لا غيره، أي: انحصرت الفريضة فيه، فتعريف المسند مع ضمير الفصل يفيد قصر المسند على المسند إليه.
(وترك) - بالبناء للمفعول- (عاشوراء) ؛ أي: نسخ وجوب صومه، أو تأكّده الشديد؛ على الخلاف: في أنّه كان قبل فرض رمضان صوم واجب؛ أولا!! والمشهور عند الشافعية هو الثاني، والحنفية على الأوّل، فعندهم: أنّ صوم عاشوراء كان فرضا، فلما فرض رمضان نسخ وجوب عاشوراء، وهو ظاهر سياق الحديث، وعند الشافعية: أنّ صوم عاشوراء كان سنّة مؤكّدة ملتزمة تقرب من