وهو موافق لما انتقده الشيخ أحمد بن حجر في «تحفته» حيث قال بعد استثناء هذه الصّور المنظومة سابقا: ولك أن تقول: لا يرد شيء من ذلك على القاعدة، لأن هذه كلّها لم تحصل الأفضلية فيها من حيث عدم أشقّيّتها؛ بل من حيثية أخرى اقترنت بها؛ كالاتّباع الذي يربو على ثواب الكثرة والمشقّة. فتأمله لتعلم ما في كلام الزركشي وغيره، فإنّ المجتهد قد يرى من المصالح المختصّة بالقليل ما يفضله على الكثير. انتهى كلام ابن حجر رحمه الله تعالى.
لكن قال العلّامة المحقّق الفقيه عبد الله بن سليمان الجرهزيّ اليمنيّ الزّبيديّ المتوفّى سنة: - ١٢٠١- إحدى ومائتين وألف هجرية رحمه الله تعالى آمين؛ معقّبا على كلام ابن حجر ما نصّه:
قلت: فيه ما فيه!! إذ تفضيل القليل للاتباع مناف لقوله صلى الله عليه وسلم: «الأجر على قدر النّصب» ، فإن لم يحمل على الاستثناء لم يزل الإشكال. انتهى كلام الجرهزي رحمه الله تعالى.
ترفقوا (في طلب الدّنيا) بأن تطلبوا الرّزق طلبا جميلا؛ أي: تحسنوا السعي في نصيبكم منها بلا كدّ وتعب وتكالب، فلم يحرّم الطّلب بالكلّية، بل أمر بالإجمال فيه، وهو ما كان جميلا في الشرع؛ محمودا في العرف، فيطلب من جهة حلّه ما أمكن.
ومن إجماله اعتماد الجهة التي هيّأها الله ويسّرها له، ويسّره لها، فينتفع بها ولا يتعدّاها. ومنه ألايطلب بحرص وقلق وشره ووله، حتى لا ينسى ذكر ربّه ولا يتورّط في شبهة؛ فيدخل فيمن أثنى عليهم بقوله تعالى رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [٣٧/ النور] ... الآية. قاله المناوي على «الجامع» .