للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنّ كلّا ميسّر لما كتب له منها» ...

ثم وجه الأمر بذلك بقوله: (فإنّ كلّا) ؛ أي: كلّ أحد من الخلق (ميسّر) بوزن معظّم- أي: مهيّأ مصروف مسهل (لما كتب) : قدّر (له منها» ) يعني:

الرزق المقدّر له سيأتيه ولا بدّ، فإنّ الله تعالى قسم الرزق وقدّره لكلّ أحد بحسب إرادته؛ لا يتقدّم ولا يتأخّر، ولا يزيد ولا ينقص بحسب علمه الأزليّ، وإن كان يقع ذلك بتبديل في اللّوح أو الصحف بحسب تعليق بشرط.

وقال: «أجملوا» ، وما قال: «اتركوا» !! إشارة إلى أنّ الإنسان؛ وإن علم أنّ رزقه المقدّر له لا بدّ له منه لكن لا يترك السعي رأسا، فإن من عوائد الله في خلقه تعليق الأحكام بالأسباب، وترتيب الحوادث على العلل، وهذه سنته في خلقه مطّردة، وحكمته في ملكه مستمرة، وهو وإن كان قادرا على إيجاد الأشياء اختراعا وابتداعا؛ لا بتقديم سبب وسبق علة؛ بأن يشبع الإنسان بلا أكل، ويرويه بغير شرب، وينشئ الخلق بدون جماع.. لكنّه أجرى حكمته بأنّ الشبع والرّي والولد يحصل عقب الطّعم والشرب والجماع. فلذا قال: «أجملوا» ؛ إيذانا بأنّه وإن كان هو الرزّاق، لكنه قدر حصوله بنحو سعي رفيق، وحالة كسب من الطلب جميلة، فجمع هذا الخبر بالنظر إلى السبب، والمسبب، والمسبّب له؛ وذلك هو: الله، والرزق، والعبد، والسعي.

وجمع بين المسبب والسبب!! لئلا يتّكل من تلبّس بأهل التّوكل وليس منهم، فيهلك بتأخّر الرزق؛ فربّما أوقعه في الكفر!! ولئلا ينسب الرزق لسعيه؛ فيقع في الشرك. وقد عرف بذلك أن من اجتهد في طلب الدّنيا وتهافت عليها شغل نفسه بما لا يجدي، وأتعبها فيما لا يغني، ولا يأتيه إلّا المقدور؛ فهو فقير وإن ملك الدنيا بأسرها، فالواجب على المتأدّب باداب الله تعالى أن يكل أمره إلى الله تعالى، ويسلّم له، ولا يتعدّى طوره، ولا يتجرّأ على ربّه ويترك التكلّف؛ فإنه ربّما كان

<<  <  ج: ص:  >  >>