قال: وما ذكره إمام الحرمين في «النهاية» كالحليمي؛ من أنّ المراد اختلافهم في المناصب والدرجات والمراتب؛ فلا ينساق الذهن من لفظ «الاختلاف» إليه.
«رحمة» للناس. كذا هو ثابت في رواية من عزا المصنف الحديث إليه، فسقطت اللفظة منه سهوا؛ أي: اختلافهم توسعة على الناس بجعل المذاهب كشرائع متعدّدة بعث النبيّ صلى الله عليه وسلّم بكلّها؛ لئلا تضيق بهم الأمور من إضافة الحقّ الذي فرضه الله تعالى على المجتهدين دون غيرهم، ولم يكلّفوا ما لا طاقة لهم به توسعة في شريعتهم السمحة السهلة، فاختلاف المذاهب نعمة كبيرة، وفضيلة جسيمة، خصّت بها هذه الأمّة، فالمذاهب التي استنبطها أصحابه فمن بعدهم من أقواله وأفعاله على تنوّعها كشرائع متعددة، وقد وعد بوقوع ذلك فوقع، وهو من معجزاته صلى الله عليه وسلم: أما الاختلاف في العقائد فضلال ووبال كما تقرّر، والحقّ ما عليه أهل السّنة والجماعة فقط. فالحديث إنّما هو في الاختلاف في الأحكام.
و «رحمة» نكرة في سياق الإثبات لا تقتضي عموما فيكفي في صحّته أن يحصل في الاختلاف رحمة ما في وقت مّا في حال مّا على وجه مّا.
وأخرج البيهقي في «المدخل» عن القاسم بن محمد؛ أو عمر بن عبد العزيز:
لا يسرّني أنّ أصحاب محمد؛ لم يختلفوا، لأنّهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة.
ويدلّ لذلك ما رواه البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا:«أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فبأيّهم اقتديتم اهتديتم: واختلاف أصحابي لكم رحمة» .
قال السّمهوديّ: واختلاف الصّحابة في فتيا اختلاف الأمّة.
وما روي من أن مالكا لما أراده الرشيد على الذّهاب معه إلى العراق؛ وأن يحمل الناس على «الموطأ» كما حمل عثمان الناس على القرآن؟ فقال مالك: أمّا حمل الناس على «الموطأ» فلا سبيل إليه؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم افترقوا بعد موته صلى الله عليه وسلّم في الأمصار، فحدّثوا، فعند أهل كلّ مصر علم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: