«اختلاف أمتي رحمة» كالصّريح في أن المراد الاختلاف في الأحكام، كما نقله ابن الصلاح؛ عن مالك من أنّه قال في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مخطئ ومصيب، فعليك بالاجتهاد.
قال: وليس كما قال ناس: فيه توسعة على الأمّة بالاجتهاد إنّما هو بالنّسبة إلى المجتهد، لقوله: فعليك بالاجتهاد، فالمجتهد مكلّف بما أدّاه إليه اجتهاده؛ فلا توسعة عليهم في اختلافهم، وإنّما التوسعة على المقلّد، فقول الحديث «اختلاف أمّتي رحمة للناس» أي: لمقلديهم، ومساق قول مالك «مخطئ ومصيب ... الخ» إنّما هو الردّ على من قال: من كان أهلا للاجتهاد له تقليد الصحابة دون غيرهم.
فإن قلت: هذا كلّه لا يجامع نهي الله تعالى عن الاختلاف، بقوله تعالى وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [١٠٣/ آل عمران] وقوله تعالى وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ [١٠٥/ آل عمران] ؟! الآية.
قلت: هذه دسيسة ظهرت من بعض من في قلبه مرض، وقد قام بأعباء الردّ عليه جمع جمّ؛ منهم: ابن العربي وغيره بما منه أنّه سبحانه وتعالى إنما ذمّ كثرة الاختلاف على الرسل كفاحا، كما دلّ عليه خبر:«إنّما أهلك الّذين من قبلكم كثرة اختلافهم على أنبيائهم» .
وأما هذه الأمّة! فمعاذ الله تعالى أن يدخل فيها أحد من العلماء المختلفين؛ لأنه أوعد الّذين اختلفوا بعذاب عظيم. والمعترض موافق على أنّ اختلاف هذه الأمّة في الفروع مغفور لمن أخطأ منهم، فتعيّن أنّ الآية فيمن اختلف على الأنبياء؛ فلا تعارض بينها وبين الحديث.
وفيه ردّ على المتعصبين لبعض الأئمة على بعض، وقد عمّت به البلوى وعظم به الخطب.