للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.........

قال الذهبي: وبين الأئمة اختلاف كثير في الفروع وبعض الأصول، وللقليل منهم غلطات وزلفات، ومفردات منكرة، وإنما أمرنا باتباع أكثرهم صوابا، ونجزم بأنّ غرضهم ليس إلا اتّباع الكتاب والسّنة، وكلّ ما خالفوا فيه لقياس أو تأويل.

قال: وإذا رأيت فقيها خالف حديثا، أو ردّ حديثا، أو حرّف معناه، فلا تبادر لتغليطه؛ فقد قال عليّ كرّم الله وجهه- لمن قال له: أتظنّ أنّ طلحة والزّبير كانا على باطل!؟ -: يا هذا إنّه ملبوس عليك، وإن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحقّ تعرف أهله.

وما زال الاختلاف بين الأئمة واقعا في الفروع وبعض الأصول مع اتفاق الكلّ على تعظيم الباري جلّ جلاله، وأنه ليس كمثله شيء، وأن ما شرعه رسوله حقّ، وأن كتابهم واحد، ونبيّهم واحد، وقبلتهم واحدة، وإنما وضعت المناظرة لكشف الحقّ، وإفادة العالم الأذكى العلم لمن دونه، وتنبيه الأغفل الأضعف، فإن داخلها زهو من الأكمل، وانكسار من الأصغر! فذلك دأب النفوس الزكية في بعض الأحيان غفلة عن الله تعالى؛ فما الظّنّ بالنفوس الشريرة المنطقية. انتهى.

ويجب علينا أن نعتقد أنّ الأئمة الأربعة والسّفيانين والأوزاعي وداود الظاهري وإسحاق بن راهواه وسائر الأئمة على هدى، ولا التفات لمن تكلّم فيهم بما هم بريئون منه. والصحيح- وفاقا للجمهور- أن المصيب في الفروع واحد، ولله تعالى فيما حكم عليه أمارة، وأنّ المجتهد كلّف بإصابته، وأن مخطئه لا يأثم؛ بل يؤجر، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر.

نعم؛ إن قصّر المجتهد أثم اتفاقا، وعلى غير المجتهد أن يقلّد مذهبا معيّنا.

وقضية جعل الحديث «الاختلاف رحمة» جواز الانتقال من مذهب لآخر.

والصحيح عند الشافعية جوازه، لكن لا يجوز تقليد الصحابة وكذا التابعين- كما قاله إمام الحرمين- من كلّ من لم يدوّن مذهبه، فيمتنع تقليد غير الأربعة في القضاء والإفتاء، لأن المذاهب الأربعة انتشرت وتحرّرت؛ حتى ظهر تقييد مطلقها

<<  <  ج: ص:  >  >>