للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو عابر سبيل، وعدّ نفسك من أهل القبور» .

حاجة، فهو إمّا غريب أو عابر سبيل، فحقّه أن يبادر لقضائها ثمّ يعود إلى وطنه.

وهذا أصل عظيم في قصر الأمل، وألايتّخذ الدّنيا وطنا ومسكنا، بل يكون فيها على جناح سفر مهيّأ للرّحيل، وقد اتفقت على ذلك وصايا جميع الأمم.

وفيه حثّ على الزّهد والإعراض عن الدّنيا، والغريب المجتهد في الوصول إلى وطنه لا بدّ له من مركب؛ وزاد؛ ورفقاء؛ وطريق يسلكها.

فالمركب: نفسه، ولا بد من رياضة المركوب ليستقيم للرّاكب، والزّاد:

التقوى، والرّفقاء: الّذين أنعم الله عليهم من النّبيّين والصّدّيقين و [الطريق:] الصّراط المستقيم، وإذا سلك الطّريق لم يزل خائفا من القطّاع؛ «إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراع» . انتهى مناوي على «الجامع» .

(أو) بل (عابر سبيل) طريق قال الطّيبي: ليست «أو» للشّكّ ولا للتّخيير والإباحة، والأحسن أن تكون بمعنى «بل» .

فشبّه النّاسك السّالك بالغريب الّذي لا مسكن له يؤويه، ثمّ ترقى وأضرب عنه إلى عابر السّبيل لأنّ الغريب قد يسكن في بلد الغربة، بخلاف عابر السّبيل، القاصد لبلد شاسع، وبينهما أودية مردية ومفاوز مهلكة وقطاع طريق! فإنّ من شأنه أن لا يقيم لحظة، ولا يسكن لمحة، ومن ثمّ عقّبه بقوله: (وعدّ نفسك من أهل القبور» ) ؛ أي: استمرّ سائرا ولا تفتر، فإنّك إن فترت انقطعت وهلكت في تلك الأودية، فلا تتنافس في عمارة الدّور فعل المستوطن المغرور؛ فيأتيك الموت من غير استعداد، وتقدم على سفر آخرة بغير زاد.

والحديث أخرجه البيقي في «الشّعب» ، والعسكري؛ من حديث ابن عمر بن الخطّاب مرفوعا في جملة حديث.

وأخرجه البخاري في «صحيحه» ؛ «كتاب الرّقاق» ؛ عن ابن عمر قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمنكبي فقال: «كن في الدّنيا كأنّك غريب أو عابر سبيل» .

<<  <  ج: ص:  >  >>