للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولله درّ الأبوصيريّ حيث قال:

فهو الّذي تمّ معناه وصورته ... ثمّ اصطفاه حبيبا بارىء النّسم

على المحاسن الباطنة، والأخلاق الزكية؛ ولا أكمل منه صلّى الله عليه وسلم، ولا مساو له في هذا المدلول؛ فكذلك الدالّ، فيكون ما يشاهد من خلق بدنه آيات على ما يتّضح من عظيم خلق نفسه الكريمة. وما يتّضح من عظيم أخلاق نفسه، آيات على ما تحقّق له من سرّ قلبه المقدّس، أي: ما اشتمل عليه من المعاني البديعة.

فالمعاني مكنونة فيه لا يطّلع عليها، ولكن يستدلّ عليها بما ظهر من أخلاقه وكمالاته. وهو صلّى الله عليه وسلم؛ وإن ظهر منه كمالات لا تحصى؛ فهي بالنسبة لما خفي كنقطة من بحر. فالمراتب إذن ثلاث: المشاهد دليل على الباطن، وذلك الباطن دليل على ما أودع في قلبه من العلوم والمعارف.

(ولله درّ الأبوصيريّ) : محمد بن سعيد الصّنهاجي الدّلاصي المولد، المغربي الأصل، البوصيري المنشأ. ولد ب «دلاص» أول شوال سنة: - ٦٠٨- ثمان وستمائة، وبرع في النظم. قال فيه الحافظ ابن سيّد الناس: هو أحسن من الجزار والوراق. ومات سنة: - ٦٩٥- ٦٩٤- خمس؛ أو: أربع وتسعين وستمائة.

كان أحد أبويه من «بوصير الصعيد» والآخر من «دلاص» بفتح الدال المهملة: قرية ب «البهنسا» ، فركّبت النسبة منها؛ فقيل الدلاصيري. ثم اشتهر بالبوصيري؛ لنشأته بها، أو لأنّها بلد أبيه. فقوله «الأبوصيري» منتقد، لأنّ القرية إنما هي «بوصير» والنسبة إليها البوصيري، كما في «المراصد» و «اللباب» و «لبّه» في باب الموحدة؛ لا الهمزة. (حيث قال) في «بردة المديح» :

(فهو الّذي تمّ) : كمل (معناه) : حال باطنه، (وصورته) : حال ظاهره؛ بالرفع عطف على «معناه» والنصب مفعول معه (ثمّ اصطفاه) : اختاره (حبيبا بارىء) : خالق (النّسم) : جمع نسمة- بفتحتين-: وهي الإنسان.

و «ثمّ» للترتيب في الإخبار؛ دون الصفات، أو في الاصطفاء؛ كما قال المحلّي، نظرا للوجود الخارجي، فإن اتخاذه حبيبا ومخاطبته به بعد تمام معناه وصورته:

<<  <  ج: ص:  >  >>