أما الكتب في التعليم فلا تفي بذلك، بل الحكمة الخارجة عن الحصر والحدّ، إنّما تنفتح بالمجاهدة، قال: وكم من متعلم طال تعلّمه، ولم يقدر على مجاوزة مسموعه بكلمة، وكم من مقتصر على المهمّ في التّعلّم، ومتوفّر على العمل، ومراقبة القلب؛ فتح الله [له]«١» من لطائف الحكم ما تحار فيه عقول ذوي الألباب. انتهى.
هذا؛ وقد سئل الشيخ عز الدين عن معنى قوله صلى الله عليه وسلم «من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم» : وما العلم الّذي إذا عمل به ورث؟، وما العلم الموروث؟، وما صفة التّوريث؛ أهو العلم أو غيره؟! فبعض النّاس قال: إنّما هذا مخصوص بالعالم- يعني: أنّه إذا عمل بعلمه ورّث ما لم يعلم، بأن يوفّق ويسدّد إذا نظر في الوقائع-، فهل يصحّ هذا الكلام أم لا.
أجاب: معنى الحديث أنّ من عمل بما يعلمه، من واجبات الشّرع ومندوباته، واجتناب مكروهاته ومحرماته؛ أورثه الله من العلم الإلهي ما لم يعلمه من ذلك، كقوله تعالى وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا
[٦٩/ العنكبوت] . هذا هو الظّاهر من الحديث المتبادر إلى الفهم، ولا يجوز حمله على أهل النّظر في علوم الشّرع، لأنّ ذلك تخصيص للحديث بغير دليل، وإذا حمل على ظاهره وعمومه دخل فيه الفقهاء وغيرهم. انتهى.
وقال الإمام مالك: علم الباطن لا يعرفه إلّا من عرف علم الظّاهر، فمن علم الظّاهر وعمل به فتح الله عليه علم الباطن، ولا يكون ذلك إلّا مع فتح قلبه وتنويره.
وقال: ليس العلم بكثرة الرّواية، وإنّما العلم نور يقذفه الله في القلب. يشير إلى علم الباطن.
قال يحيى بن معاذ: التقى ابن أبي الحواري وأحمد بن حنبل، فقال أحمد:
حدّثنا بحكاية سمعتها من أستاذك الدّاراني. فقال: يا أحمد؛ قل: سبحان الله وطوّلها بلا عجب. قال: سبحان الله وطوّلها بلا عجب.