للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا بالآدم، ولا بالجعد ...

فإن قيل: من عادة العرب أن تمدح النساء بالبياض المشرّب بصفرة، كما وقع في لاميّة امرئ القيس. وهذا يدلّ على أنّه فاضل في هذه الدار أيضا.

أجيب بأنه لا نزاع في أنه فاضل فيها، ولكن البياض المشرّب بحمرة أفضل منه فيها، وحكمة التفرقة بين هذه الدار؛ وتلك الدار: أن الشّوب بالحمرة ينشأ عن الدم وجريانه في البدن وعروقه، وهو من الفضلات التي تنشأ عن أغذية هذه الدار، فناسب الشوب بالحمرة فيها. وأما الشّوب بالصفرة التي تورث البياض صقالة وصفاء؛ فلا ينشأ عادة عن غذاء من أغذية هذه الدار؛ فناسب الشوب بالصفرة في تلك الدار، فظهر أنّ الشوب في كلّ من الدارين بما يناسبه، وقد جمع الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلم بين الأشرفين، ولم يكن لونه في الدنيا كلونه في الأخرى!! لئلا يفوته أحد الحسنيين. انتهى ملخصا من المناوي وابن حجر رحمهما الله تعالى.

(ولا بالآدم) ، أي: ولا بالأسمر الآدم؛ أي: شديد الأدمة أي: السمرة، وآدم- بمدّ الهمزة- أصله: أأدم- بهمزتين- على وزن «أفعل» أبدلت الثانية ألفا، وعلم مما ذكر أن المنفيّ إنّما هو شدّة السمرة، فلا ينافي إثبات السمرة في الخبر الآتي، لكن المراد بها الحمرة، لأن العرب قد تطلق على من كان كذلك أسمر.

ومما يؤيّد ذلك رواية البيهقي كان أبيض؛ بياضه إلى السمرة.

وفي «مسند أحمد» ؛ عن الحبر: جسمه ولحمه أحمر. وفي رواية: أسمر إلى البياض.

فثبت بمجموع هذه الروايات أنّ المراد بالسمرة: حمرة تخالط البياض، وبالبياض المثبت ما يخالط الحمرة. وأما وصف لونه في أخبار بشدّة البياض كخبر البزار؛ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: كان شديد البياض. وخبر الطبراني؛ عن أبي الطّفيل: ما أنسى شدّة بياض وجهه!! فمحمول على البريق واللّمعان، كما يشير إليه حديث: كأنّ الشمس تحرك في وجهه، انتهى «مناوي وباجوري» .

(ولا بالجعد) - بفتح الجيم وسكون العين- من الجعودة؛ وهي في الشعر أن

<<  <  ج: ص:  >  >>