ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي؛ ...
(ووعدك) ؛ أي: مستنجز وعدك في المثوبة والأجر في العقبى على هذه العهود، وأنا موقن بما وعدت به من البعث والنشور؛ وأحوال القيامة، فالمصدر مضاف لفاعله. وقيل: ما عاهدتك عليه في الأزل من الإقرار بالوحدانية المأخوذ يوم «ألست بربّكم» ، ووعدك، أي: ما وعدتك به من الوفاء بذلك، فالمصدر مضاف للمفعول. وسئل الإمام جلال الدين السيوطي عن ذلك؛ فقال: العهد:
ما أخذ عليهم وهم في عالم الذر يوم «ألست بربكم» ، والوعد: ما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة» . انتهى ذكره في «الحاوي» . قيل: ولا يبعد أن يراد الجميع من الكلمة الجامعة لما ذكر، وغير ذلك مما لا يخطر ببال.
(ما استطعت) ؛ أي: مدّة دوام استطاعتي، ومعناه: الاعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب في حقّه تعالى.
(أعوذ بك من شرّ ما صنعت)«ما» : فيه مصدرية؛ أو موصولة، أي: أعوذ بك من صنعي، أو مما لم أستطع على كفّ نفسي عنه، من الأعمال التي تؤدّي بصاحبها إلى الهلاك الأبديّ، والعذاب السرمديّ.
(أبوء) - بهمزة مفتوحة فموحدة مضمومة، وبعد الواو همزة- أي: أقرّ وأعترف (لك بنعمتك) التي أنعمت بها (عليّ، وأبوء بذنبي) معناه الإقرار بالذّنب والاعتراف به أيضا، لكن فيه معنى ليس في الأول؛ لأن العرب تقول «باء فلان بذنبه» ؛ إذا احتمله كرها لا يستطيع دفعه عن نفسه. ولذا عبّر في الرواية الصحيحة التي هي رواية البخاري بقوله:«أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي» ، بإثبات «لك» مع النّعمة، وبحذفها في ذنبي، وهو أدب حسن.
قال الشيخ ابن حجر في «شرح المشكاة» : وأبوء بذنبي؛ أي: الذنب العظيم الموجب للقطيعة لولا واسع عفوك وهامع فضلك. انتهى.