من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عبرته، وذلّ لك جسمه، ورغم لك أنفه.
الاضطرار، لا في الدنيا ولا في الآخرة، حتى لو دخل الجنّة فهو محتاج إليه فيها، غير أنّه غمس اضطراره في المنّة التي أفرغت عليه ملابسها، وهذا هو حكم الحقائق: ألايختلف حكمها؛ لا في الغيب ولا في الشهادة، ولا في الدنيا ولا في الآخرة.
ومن اتّسعت أنواره لم يتوقّف اضطراره.
وقد عيّب الله قوما اضطروا إليه عند وجود أسباب ألجأتهم إلى الاضطرار، فلمّا زالت زال اضطرارهم. ولمّا لم تقبل عقول العامة إلى ما تعطيه حقيقة وجودهم؛ سلّط الله عليهم الأسباب المثيرة للاضطرار؛ ليعرفوا قهر ربوبيّته، وعظمة إلهيّته.
(من خضعت) أصل الخضوع التطامن والميل، والمراد هنا: الذّلّة؛ أي:
(ورغم لك أنفه) ؛ أي: التصق أنفه بالرغام؛ أي: التراب، والمراد لازم ذلك؛ وهو الخضوع، ورغم- بفتح الغين- قال في «المختار» : ورغم فلان- من باب قطع- رغما- بالحركات الثلاث في راء المصدر- إذا لم يقدر على الانتصاف.