وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا جلس يتحدّث.. يكثر أن يرفع طرفه إلى السّماء.
كثيرا. وجرى عليه ابن القيّم؛ فقال: هذا في السلام على جمع كثير لا يبلغهم سلام واحد، فيسلّم الثاني والثالث؛ إذا ظنّ أنّ الأول لم يحصل به إسماع، ولو كان هديه دوام التسليم ثلاثا؛ كان صحبه يسلّمون عليه كذلك، وكان يسلّم على كلّ من لقيه ثلاثا، وإذا دخل بيته سلّم ثلاثا، ومن تأمّل هديه علم أنّه ليس كذلك، وأن تكرار السلام كان أحيانا لعارض. إلى هنا كلامه.
قال الكرماني: والوجه أنّ معناه: كان إذا أتى قوما يسلّم تسليمة الاستئذان، ثم إذا قعد سلّم تسليم التحية، ثم إذا قام سلّم تسليمة الوداع، وهذه التسليمات كلّها مسنونة، وكان يواظب عليها.
انتهى؛ قاله المناويّ في «كبيره» مع شيء من العزيزي والحفني.
(و) أخرج أبو داود، والبيهقيّ في «دلائل النبوة» بإسناد حسن؛ عن عبد الله بن سلام- بالفتح والتخفيف- الإسرائيليّ الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه قال:(كان) رسول الله (صلّى الله عليه وسلم إذا جلس يتحدّث يكثر أن يرفع طرفه إلى السّماء) ؛ انتظارا لما يوحى إليه وشوقا إلى الرفيق الأعلى؛ ذكره الطيبي.
وقوله «جلس يتحدّث» ! خرج به حالة الصلاة، فإنّه كان يرفع بصره فيها إلى السماء أوّلا حتّى نزلت آية الخشوع في الصلاة فتركه.
فإن قلت: ينافيه أيضا ما ورد في عدّة أخبار: أن نظره إلى الأرض كان أكثر من نظره إلى السماء!!؟
قلت: يمكن الجواب بأن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والأوقات، فإذا كان مترقّبا لنزول الوحي عليه متوقعا هبوط الملك إليه؛ نظر إلى جهته شوقا إلى وصول كلام ربّه إليه، واستعجالا ومبادرة لتنفيذ أوامره، وكان في غير هذه الحالة نظره إلى الأرض أطول؛ ذكره المناوي في «كبيره» .