للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان صلّى الله عليه وسلّم يحدّث حديثا، لو عدّه العادّ.. لأحصاه.

(و) أخرج البخاريّ، ومسلم، وأبو داود؛ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما (كان) رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) يسرد الحديث سردكم هذا! كان (يحدّث حديثا) ؛ ليس بمهذرم مسرع، ولا متقطّع يتخلّله السّكتات بين أفراد الكلم، بل يبالغ في إيضاحه وبيانه بحيث (لو عدّه العادّ) ، أي: لو أراد المستمع عدّ كلماته أو حروفه (لأحصاه) ، أي: أمكنه ذلك بسهولة، والمراد بذلك: المبالغة في التفهيم والترتيل، وهذا أتت به عائشة رضي الله تعالى عنها تعرّض بأبي هريرة رضي الله تعالى عنه.

وصدر الحديث: عن عروة؛ عنها أنّها قالت: ألا يعجبك أبو فلان- ولفظ «مسلم» : أبو هريرة- جاء فجلس إلى جانب حجرتي؛ يحدث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يسرد، يسمعني ذلك؛ وفي رواية: فقال: ألا تسمعين يا ربّة الحجرة!! وكنت أسبّح، فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما كان ... فذكرت الحديث.

قال الحافظ ابن حجر: واعتذر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه؛ بأنّه كان واسع الرّواية، كثير المحفوظ، فكان لا يتمكّن من التّرتيل عند إرادة التّحديث، كما قال بعض البلغاء: أريد أن أقتصر فتتزاحم عليّ القوافي.

ومن حديث عائشة المذكور أخذ أنّ على المدرّس أن لا يسرد الكلام سردا، بل يرتّله ويزيّنه ويتمهل ليتفكّر فيه هو وسامعه، وإذا فرغ من مسألة أو فصل سكت قليلا ليتكلّم من في نفسه شيء. انتهى «مناوي» .

وأخرج التّرمذيّ في «الجامع» ، و «الشّمائل» ، والحاكم؛ عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثا حتى تعقل عنه» ؛ أي: ليتدبّرها السّامعون، ويرسّخ معناها في القوّة العاقلة.

وفيه أن الثّلاثة غاية الإعذار والبيان؛ كما قال ابن التين، فمن لم يفهم بها لا يفهم بما زيد عليها؛ ولو مرّات عديدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>