فما استأثر بشيء منه، ولا أمسك منه درهما، بل صرفه في مصارفه، وأغنى به غيره، وقوّى به المسلمين، وقال:«ما يسرّني أنّ لي أحدا ذهبا يبيت عندي منه دينار، إلّا دينارا أرصده لدين» .
ثمّ إنّ قبول النّبي صلّى الله عليه وسلم الهديّة من خصائصه، لانتفاء التّهمة في حقّه صلّى الله عليه وسلم، ولا يجوز لغيره من الحكّام.
(فما استأثر) ؛ أي: ما انفرد وما استبدّ وما اختصّ (بشيء منه) دون أصحابه، لرؤيته أنّه أحقّ به كما يفعله الملوك فيما يليق بها.
(ولا أمسك منه درهما) ؛ أي: لم يبق لنفسه منه شيئا، ولم يجعله عنده أو في يده. (بل صرفه في مصارفه) ؛ أي: أنفقه في مواضعه من أنواع الخير وأصناف البرّ (وأغنى به غيره) من الجند والمؤلّفة قلوبهم، لغناه بربّه واستغنائه بقلبه، (وقوّى به المسلمين) بصرفه في مهمّاتهم وقضاء حاجاتهم، وفيما ينصرهم على أعدائهم، ودفع بلائهم، وكان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر.
(وقال) ؛ أي: النّبيّ صلّى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه البخاري، ومسلم، مسندا؛ عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه-: ( «ما يسرّني) - أي: لم يجعلني في سرور وفرح- (أنّ لي أحدا ذهبا) ، أي: مثل أحد أو نفس أحد يكون ملكا لي وهو ذهب حقيقة. وقوله «ذهبا» ! تمييز، أي: من ذهب، و «أحد» :
بضمّتين وقد تسكّن حاؤه-: اسم جبل معروف قريب من المدينة المنوّرة. سمّي به!! لتوحّده وانقطاعه عمّا هناك من الجبال، وقال صلّى الله عليه وسلم فيه:«أحد جبل يحبّنا ونحبّه» .
(يبيت عندي منه) ؛ أي: من مقدار أحد ذهبا، (دينار إلّا دينارا) - بالنّصب على الاستثناء، وبالرّفع على البدل: روايتان- (أرصده) - بفتح الهمزة وضمّ الصّاد، من الرصد، ويجوز ضمّ الهمزة وكسر الصّاد المهملة؛ من الإرصاد- أي: