للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لم يمتلئ جوف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شبعا قطّ، ولم يبثّ شكوى إلى أحد، وكانت الفاقة أحبّ إليه من الغنى، ...

و: (عن عائشة رضي الله تعالى عنها؛ قالت: لم يمتلئ) - بهمز- وهو الصحيح (جوف النّبيّ صلّى الله عليه وسلم شبعا) - بكسر الشّين المعجمة وفتح الموحدة- (قطّ) ؛ أي: أبدا، ولعلّ مرادها غالب أحواله، أو شبعا مفرطا غير مناسب لكماله، فإنّ المطلوب تقليل الطّعام، والاقتصار على ما يقوم به الأود، ثم ملء ثلث البطن، فإنّ ثلثا للزاد، وثلثا للماء، وثلثا للنفس- كما مرّ- فإن زاد! فنصفها، وما زاد على ذلك حرص وبطنة غير ممدوحة، وقد يحرم، إن وصّله للضرورة، والتّخمة قصدا، كما أنّ أول مراتبه واجب.

(ولم يبثّ) - بفتح الياء التحتية؛ وضمّ الباء الموحدة وتشديد المثلّثة- أي:

لم يذكر ولم يظهر (شكوى) ؛ أي: شكايته، ولا بطريق حكايته، في جميع حالاته (إلى أحد) من أصحابه وزوجاته، لقوله تعالى في ضمن آياته؛ حكاية عن يعقوب، في شدة ما ابتلاه قال نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ

[٨٦/ يوسف] .

فالشكوى إلى الخلق مذمومة، والّذي يليق بمقام العارفين الصبر وكتم ما بهم؛ لا سيما والنّبيّ صلّى الله عليه وسلم كان يسرّ بكلّ ما يأتيه من الله، ولا يعدّه مؤلما؛ بل يتلذّذ به، فكيف يتصور شكواه؟!.

وإلى هذا أشار بقوله: (وكانت الفاقة) : وهي الحاجة الملازمة، المقتضية للصبر (أحبّ إليه من الغنى) المقتضي للشّكر.

وهذا صريح في تفضيل الصبر على الشكر؛ كما ذهب إليه أجلّاء الصوفية، وأكثر علماء الفقه وقد ورد: «لو تعلمون ما لكم عند الله؛ لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة» على ما رواه الترمذي؛ عن فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه. كذا قاله القاري رحمه الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>