وقد اختلف هل الغنيّ الشّاكر خير أم الفقير الصابر؟!
فذهب إلى كلّ منهما قوم من العلماء، ولكلّ منهم أدلّة مبسوطة في محلّها.
وللعلامة الحافظ محمد بن أبي بكر بن قيّم الجوزية الحنبلي رحمه الله تعالى كتاب «عدة الصابرين» ذكر فيه هذه المسألة بأدلّتها من الجانبين. فليراجع.
وقال الإمام حجّة الإسلام الغزالي رحمه الله تعالى: قد انكشف أنّ الفقر هو الأفضل لكافّة الخلق؛ إلا في موضعين:
١-: غنى يستوي فيه الوجود والعدم، ويستفاد به دعاء المساكين وقضاء حوائجهم، كغنى بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
و٢- فقر يكون مع الضرورة حتى يكاد يكون كفرا؛ فالأول خير محض، وهذا لا خير فيه بوجه من الوجوه.
والممدوح غنى النّفس؛ لا غنى المال من حيث هو، والفضل كلّه في الكفاف، والاقتصار على مقدار الحاجة، ولذا طلبه صلّى الله عليه وسلم له ولآله. انتهى. نقله الخفاجيّ رحمه الله تعالى.
(وإن) مخفّفة من الثقيلة، أي: وإنّه (كان ليظلّ) - بفتح الظاء المعجمة وتشديد اللام- أي: يكون في طول النّهار (جائعا) - بهمزة مكسورة- (يلتوي) - بتقديم اللّام على التاء الفوقية، وواو مخففة مكسورة- وفي نسخة من «الشّفاء» :
ويتلوّى- بياء مثنّاة مفتوحة وفوقية مفتوحة، ولام كذلك، وواو مشددة مفتوحة، يليها ألف- أي: حال كونه يتقلب ويضطرب (طول ليلته من الجوع) ؛ أي: من أجل حرارة لذعته، ولذا ورد «اللهم؛ إنّي أعوذ بك من الجوع، فإنّه بئس الضّجيع» كما رواه الحاكم في «مستدركه» عن ابن مسعود مرفوعا، وهذا كله لكمال زهده في الدّنيا، وصبره على مشاقّها، وإقبال قلبه على الآخرى؛ لرضى المولى وليرشد أمّته لذلك.