لو تبلّغت من الدّنيا بما يقوتك؟ فيقول:«يا عائشة؛ ما لي وللدّنيا؟! ...
غير ذكر للفداء، وتسمّى الباء باء التفدية- بالفاء-.
وهذا جائز بل مستحبّ لصدوره منه صلّى الله عليه وسلم، فيقال لمن شرف؛ كالحكام، والعلماء، والصلحاء، وأعزة الإخوان، قصدا لتوقيره واستعطافه، ولو كان محظورا- كما قيل- لما قاله صلّى الله عليه وسلم، ولكان نهى عنه من قاله له، وقد قال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه: فديناك بابائنا وأمهاتنا. وقال صلّى الله عليه وسلم لسعد: «إرم فداك أبي وأمّي» .
ومنعه قوم، لحديث مالك بن فضالة؛ أنّ الزبير رضي الله تعالى عنه دخل عليه صلّى الله عليه وسلم وهو شاك؛ فقال: كيف تجدك جعلني الله فداك؟، فقال له صلّى الله عليه وسلم «ما زلت على أعرابيّتك بعد» ؟! قيل: ولا حجّة فيه لما ادّعوه، لأن الحديث الواحد لا يقاوم الأحاديث الصحيحة الكثيرة الواردة بخلافه، ولاحتمال أنّه إنّما نهاه عنه لوروده في غير محلّه، لأنّه لا ينبغي أن يقال ذلك للمريض، بل يتوجّع له، ويقال «لا بأس عليك» ، و «عافاك الله وشفاك» ونحوه، ولكل مقام مقال، لا لأن القائل له كان أبواه مشركين، ولا لأنه من خصوصياته، لأنّ من قائليه من ليس كذلك، والأصل عدم الخصوصية.
(لو تبلّغت) التبلغ من البلاغ؛ وهو مقدار الكفاية، يقال: تزود من دنياك بالبلاغ؛ مأخوذ من الزّاد الّذي يبلغ به المسافر منزله، وضمّنه هنا معنى «اكتفيت»(من الدّنيا بما يقوتك) - بضم القاف- أي: لو اكتفيت منها بالكفاف من القوت، من غير ضرورة ومخمصة، و «لو» للتمني.
(فيقول) صلى الله عليه وسلم (: «يا عائشة ما لي وللدّنيا؟!) قيل: «ما» نافية، أي:
ليس لي ألفة ومحبة مع الدنيا، حتى أرغب فيها، أو استفهامية أي: أيّ ألفة ومحبّة ورغبة لي في الدنيا؟.