غدا دونهم، وما من شيء هو أحبّ إليّ من اللّحوق بإخواني وأخلّائي» .
قالت: فما أقام بعد شهرا حتى توفّي صلوات الله وسلامه عليه.
ثمّ قال رحمه الله تعالى بعد ثلاث ورقات: ...
المفتوحة؛ مبنيا للمجهول- (غدا) بالمعجمة؛ اليوم الذي بعد يومك، والمراد به الآخرة، جعل الدنيا بمنزلة اليوم الحاضر، والآخرة لكونها بعدها بمنزلة غد.
(دونهم) أي: دون مرتبتهم، وتحت درجتهم، فيكون مقامي دون مقامهم، وهمّتي أن أكون فوق جملتهم. (وما من شيء هو أحبّ إليّ من اللّحوق بإخواني) أي: في الجملة، (وأخلّائي» ) أي: أحبائي في الملّة؛ والمراد بالإخوان والأخلّاء الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام، واللّحوق بهم كونه معهم.
(قالت) ؛ أي: عائشة رضي الله تعالى عنها: (فما أقام بعد) - بالبناء على الضمّ- أي: بعد مقالته هذه (شهرا حتّى توفّي صلوات الله وسلامه عليه) غاية لاقامته أي: إلى أن مات وانتقل إلى رحمة ربه واستوفى أيام عمره، وهذا يدل على اختياره الفقر في جميع أمره إلى آخر عمره.
قال الدلجي رحمه الله تعالى: لم أدر من روى هذا الحديث!! لكن روى ابن أبي حاتم؛ في تفسيره عنها قالت: ظلّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم صائما ثم طواه، ثم ظلّ صائما ثمّ طواه، ثم ظل صائما!! قال:«يا عائشة؛ إنّ الدّنيا لا تنبغي لمحمّد ولا لآل محمّد، يا عائشة؛ إنّ الله تعالى لم يرض من أولى العزم من الرّسل إلّا بالصّبر على مكروهها، والصّبر عن محبوبها، ولم يرض منّي إلّا أن يكلّفني ما كلّفهم فقال فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [٣٥/ الأحقاف] ، وإنّي والله لأصبرنّ كما صبروا جهدي ولا قوّة إلّا بالله» . انتهى.
(ثمّ قال) ؛ أي: القاضي عياض (رحمه الله تعالى) في «الشفاء»(بعد) نحو (ثلاث ورقات) من الكلام السابق، وذلك قبل فصلين من «الباب الثالث» :