للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن شئت آثرت بها خالدا» .

بمن على يمينه؛ ولو صغيرا مفضولا، وتأخير من على اليسار؛ ولو كبيرا فاضلا!! بل ذهب ابن حزم إلى وجوب ذلك، فقال: لا تجوز البداءة بغير الأيمن إلّا بإذنه.

فإن قيل: يعارض ما تقدّم ما رواه أبو يعلى؛ عن الحبر ابن عبّاس بإسناد صحيح: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا سقى قال: «ابدأوا بالأكبر» أو قال: بالأكابر» .

أجيب: بأنّ ذلك محمول على ما إذا لم يكن عن يمينه أحد، بل كان الجميع أمامه؛ أو وراءه.

(فإن شئت آثرت بها خالدا» ) - بفتح التّاء فيها ومدّ الهمزة-؛ من آثرت.

يقال: آثرته- بالمدّ-: فضّلته وقدّمته، لأنّ الإيثار معناه: التّفضيل والتّقديم، وأما استأثر بالشّيء! فمعناه: استبدّ به؛ كما في «المصباح» وغيره.

وفي تفويض الإيثار إلى مشيئته تطييب لخاطره، وتنبيه على أنّه ينبغي له إيثار خالد؛ لكونه أكبر منه.

وهذا ليس من الإيثار في القرب المكروه، على أنّ الكراهة محلّها حيث آثر من ليس أحقّ منه؛ بأن كان مساويا له وأقلّ منه، أمّا إذا آثر من هو أحقّ منه!! كأن آثر من هو أحقّ منه بالإمامة!! فليس مكروها.

فإن قيل: قد استأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم الأيمن في هذا الخبر، ولم يستأذن أعرابيّا عن يمينه؛ والصّدّيق عن يساره في قصة نحو هذه!؟.

أجيب: بأنّه إنّما استأذن هنا ثقة بطيب نفس ابن عباس بأصل الاستئذان، لا سيّما وخالد قريبه، مع رياسته في قومه، وشرف نسبه بينهم، وقرب عهده بالإسلام، فأراد صلّى الله عليه وسلم تطييب خاطره، وتألّفه بذلك.

وأمّا الصّدّيق- رضي الله تعالى عنه- فإنّه مطمئنّ الخاطر؛ راض بكل ما يفعله المصطفى صلّى الله عليه وسلم، لا يتغيّر ولا يتأثّر، ولا ينقص ذلك بمقام الصّدّيق، ولا يخرجه عن فضيلته الّتي أولاه الله إيّاها، لأنّ الفضيلة إنّما هي فيما بين العبد وربّه، لا فيما بينه وبين الخلق.

<<  <  ج: ص:  >  >>