للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.........

فيه قلبه؛ وهو نادر، فصادف هذا- أي: قصّة النّوم عن الصلاة- قال: والصّحيح المعتمد هو الأوّل، والثاني ضعيف، بل شاذّ؛ لمخالفته لصريح «ولا ينام قلبي» الشّامل لسائر الأحوال؛ إذ الفعل المنفي يفيد العموم. قال في «فتح الباري» :

وهو كما قال.

ولا يقال: القلب؛ وإن كان لا يدرك ما يتعلّق بالعين من رؤية الفجر مثلا؛ لكنّه يدرك إذا كان يقظانا مرور الوقت الطّويل، فإنّ من ابتداء طلوع الفجر إلى أن حميت الشّمس مدّة طويلة لا تخفى على من لم يكن مستغرقا!! لأنّا نقول: يحتمل أن يقال: كان قلبه صلّى الله عليه وسلم إذ ذاك مستغرقا بالوحي، ولا يلزم من ذلك وصفه بالنّوم، كما كان يستغرق صلّى الله عليه وسلم حالة إلقاء الوحي؛ فكان يستغرق بحيث يؤخذ عن النّاس إذا نزل عليه في اليقظة، وتكون الحكمة في ذلك الاستغراق: بيان التشريع بالفعل؛ لأنّه أوقع في النّفس، كما في قصّة سهوه في الصّلاة حين سلّم من ركعتين ... وغير ذلك.

وقريب من هذا جواب ابن المنير: أنّ القلب قد يحصل له السّهو في اليقظة لمصلحة التّشريع، ففي النّوم بطريق الأولى، أو على السّواء؛ حيث فرضنا أنّ نومه ويقظته سيّان.

وقال ابن العربي في «القبس» : النّبيّ صلّى الله عليه وسلم كيفما اختلفت حاله من نوم أو يقظة في حقّ وتحقيق، ومع الملائكة في كل طريق، إن نسي؛ فباكد من المنسيّ اشتغل، وإن نام؛ فبقلبه ونفسه على الله أقبل، ولهذا قالت الصّحابة الكرام رضوان الله عليهم: كان صلّى الله عليه وسلم إذا نام لا نوقظه حتّى يستيقظ، لأنّا لا ندري ما يحدث له!! أي: من الوحي؛ كانوا يخافون من إيقاظه قطع الوحي، فلا يوقظونه لاحتمال ذلك.

قال ابن العربي: فنومه عن الصّلاة أو نسيانه شيئا منها لم يكن عن آفة، وإنّما كان بالتّصرّف من حالة إلى حالة مثلها؛ لتكون لنا سنّة. انتهى. أي: كما قال

<<  <  ج: ص:  >  >>