للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليهِم قدْ ثبَتَتْ مُلاقاةُ بعضِهِم بَعضاً مَعَ براءَتِهِم مِنْ وصْمَةِ (١) التَّدليسِ، فحينَئذٍ يُحْمَلُ على ظاهرِ الاتِّصالِ إلاَّ أنْ يَظْهَرَ فيهِ خلافُ ذلكَ.

وكَثُرَ في عصرِنا وما قارَبَهُ بينَ المنتسبينَ إلى الحديثِ استعمالُ ((عَنْ)) في الإجازةِ، فإذا قالَ أحدُهُمْ: ((قرأتُ على فلانٍ عَنْ فلانٍ)) أو (٢) نحوَ ذلكَ فَظُنَّ بهِ (٣) أنَّهُ رواهُ عنهُ بالإجازةِ، ولا يُخْرِجُهُ ذلكَ مِنْ قبيلِ الاتِّصالِ على ما لا يخفَى، واللهُ أعلمُ.

الثاني: اختَلَفُوا في قولِ الراوي: ((أنَّ فلاناً قالَ: كذا وكذا)) هَلْ هوَ بمنزلةِ ((عَنْ)) في الحَمْلِ عَلَى الاتِّصالِ إذا ثبتَ التلاقي بينهُما حَتَّى يتبيَّنَ فيهِ الانقطاعُ؟ مثالُهُ: ((مالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أنَّ سعيدَ بنَ المسيِّبِ قالَ: كذا)). فَرُوِّيْنا عَنْ مالِكٍ - رضي الله عنه -: أنَّهُ كانَ يَرى ((عَنْ فلانٍ)) و ((أنَّ فلاناً)) سواءً. وعَنْ أحمدَ بنِ حنبلٍ - رضي الله عنه -: أنَّهُما ليسا سواءً (٤).


(١) يُقَالُ: وَصَمَهُ يَصِمُهُ وَصْماً، أي: عابَهُ، والَوصْمَةُ: واحدةُ الوَصْمِ، أي: العيب والعار. انظر: اللسان ١٢/ ٦٣٩، ومتن اللغة ٥/ ٧٦٨.
(٢) في (ب): ((و)).
(٣) ((به)) ليست في (ب). قال الزركشي ٢/ ٣١: ((قال المصنّف: هو أمر من الظن)).
قال البقاعي: ((فظُنَّ بهِ: هو فعل أمرٍ؛ وإنما أمر بالظن ولم يطلق الحكم؛ لأن في زمنه لم يكن تقرر الاصطلاح: أن ذلك للإجازة، وإنما كان قد فشا ذلك الاستعمال فيهم، وأما في هذا الزمان فمتى وجدنا محدِّثاً قال: حدَّثني فلان - مثلاً - عن فلان، فإنا نتحقق أن ذلك إجازة؛ لأنَّ الاصطلاح تقرر على ذلك)). النكت الوفية ١٣٤ / أ.
(٤) الكفاية: (٥٧٥ ت، ٤٠٧ هـ‍).
قال الزركشي ٢/ ٣١: ((حاصله حكاية قولين:
أحدهما: أنهما سواء، ويؤيده أن لغة بني تميم إبدال العين من الهمزة.
والثاني: أنهما ليسا سواء ونسبه لأحمد بن حنبل والذي حكاه الخطيب في الكفاية بإسناده إلى أبي داود قال: ((سمعت أحمد بن حنبل، قيل له: إن رجلاً قال: عروة أن عائشة قالت: يا رسول الله، وعن عروة، عن عائشة، سواء، قال: كيف هذا سواء؟! ليس هذا بسواء.
وإنما فرّق أحمد بين اللفظين في هذه الصورة؛ لأن عروة في اللفظ الأول لم يسند ذلك إلى عائشة، ولا أدرك القصة فكانت مرسلة، وأما اللفظ الثاني فأسند ذلك إليها بالعنعنة فكانت متصلة)).
قلنا: ولابن حجر تفصيل أطول فانظره في نكته ٢/ ٥٩٠، وارجع إلى شرح التبصرة والتذكرة ١/ ٢٨٦ وما بعدها.

<<  <   >  >>