لَمْ تعد أهمية كتاب ابن الصلاح أمراً خافياً أو شيئاً غامضاً يحتاج إلى إيضاح وتفصيل، ولنا أن نجزم بأن كتابه هو المحور الذي دارت في فلكه تصانيف كل مَنْ أتى بعده، وأنه واسطةُ عقدِها، ومصدر ما تفرع عنها. ولم يكن لمن بعده سوى إعادة الترتيب في بعض الأحيان، أو التسهيل عن طريق الاختصار أو النظم، أو إيضاح بعض مقاصده التي قد تخفى عَلَى بعض المطالعين عن طريق التنكيت.
وقد رزق الله تَعَالَى كتاب ابن الصلاح القبول بَيْنَ الناس، حَتَّى صار مدرس مَنْ يروم الدخول في هذا الشأن، ولا يتوصّل إليه إلاَّ عن طريقه، فهو الفاتح لما أغلق من معانيه والشارح بما أجمل من مبانيه.
ولم تقتصر قيمة الكتاب العلمية عَلَى جانب تفرده في مصطلح الحديث وبيان مبادئه، وإنما عُدّت من بدايات الكتابات في علمٍ نعتقد أنه ظهر عند الغرب في وقت متأخر، ألاَ وهو علم تحقيق النصوص وتوثيق المرويات، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا: إنه لا يزال متفرداً بخصائصه التي تتصل بهذا الموضوع. وما دام تخصصه قد امتدَّ إلى هذا الباب فليس غريباً أن تكون له مباحثات فيما يتصل بعلم التاريخ.