للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّوْعُ الرَّابِعُ والعِشْرُوْنَ

مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ سَمَاعِ الْحَدِيْثِ وتَحَمُّلِهِ وَصِفَةِ ضَبْطِهِ

اعْلَمْ أنَّ طُرُقَ نَقْلِ الحديثِ وتَحَمُّلِهِ عَلَى أنواعٍ مُتَعدِّدَةٍ، ولنُقَدِّمْ عَلَى بَيَانِها بَيَانَ أُمُورٍ:

أَحَدُها: يَصحُّ التَّحَمُّلُ قَبلَ وُجُودِ الأَهْلِيَّةِ فَتُقْبَلُ روايَةُ (١) مَنْ تَحَمَّلَ قَبْلَ الإسْلامِ وَرَوَى بَعْدَهُ، وكذَلِكَ روايَةُ مَنْ سَمِعَ قَبْلَ البُلُوغِ (٢) وَرَوَى بَعْدَهُ ومَنَعَ مِنْ ذَلِكَ قَومٌ فأخْطَؤُوا؛ لأنَّ الناسَ قَبِلُوا روايَةَ أحداثِ الصَّحابَةِ، كالحَسَنِ بنِ عليٍّ وابنِ عَبَّاسٍ، وابنِ الزُّبَيْرِ، والنُّعْمانِ بنِ بَشِيْرٍ، وأشْبَاهِهِمْ (٣)، مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَا تَحَمَّلُوهُ قَبْلَ البُلُوْغِ ومَا بَعْدَهُ (٤)، ولَمْ يَزَالُوا قَدِيْماً وَحَدِيْثاً يُحْضِرُونَ الصِّبْيَانَ مجَالِسَ التَّحْدِيْثِ والسَّمَاعِ ويَعْتَدُّوْنَ برِوَايَتِهِمْ (٥) لِذَلِكَ، واللهُ أعلمُ.

الثَّاني: قَالَ أبو عبدِ اللهِ الزُّبَيْرِيُّ: ((يُسْتَحَبُّ كَتْبُ الحديثِ في العشرينَ؛ لأنَّها مُجْتَمَعُ العقْلِ - قَالَ - وأُحِبُّ أنْ يَشْتَغِلَ دُوْنَها بحِفْظِ القُرْآنِ والفَرَائِضِ)).

وَوَرَدَ عَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: ((كَانَ الرَّجُلُ إذا أرَادَ أنْ يَطْلُبَ الحديثَ تَعَبَّدَ قَبْلَ ذَلِكَ عِشْرينَ سَنَةً)) (٦).


(١) للتمثيل على ذلك، انظر: نكت الزركشي ٣/ ٤٥٩.
(٢) انظر: نكت الزركشي ٣/ ٤٦١.
(٣) وقد بوّب الخطيب في الكفاية: (١٠٣ - ١١٩ ت، ٥٤ - ٦٦ هـ‍): ((باب ما جاء في صحة سماع الصغير))، وأورد فيه جملة من الآثار التي حفظها صغار الصحابة، ومن بعدهم، وحدّثُوا بها بعد ذلك وقبلت عنهم)).
(٤) لذلك قال ابن الأثير في جامع الأصول ١/ ٧١: ((أما إذا كان طفلاً عند التحمل، مميزاً بالغاً عند الرواية، فتقبل؛ لأن الخلل قد اندفع عن تحمله وأدائه)).
(٥) قال البلقيني في المحاسن: ٢٤١: ((الاعتداد بتحملهم في حال الصبا، ليرووه بعد البلوغ، هو المعروف، وشذ قوم فجوّزوا رواية الصبي قبل بلوغه، وهو وجه عند الشافعية، والمشهور الأول. ولهم وجه آخر بالمنع من التحمل قبل البلوغ، وقد تقدّمت حكايته عن قوم)). وانظر: نكت الزركشي ٣/ ٤٦٢ - ٤٦٣.
(٦) المحدّث الفاصل: ١٨٧، والكفاية: (١٠٤ ت، ٥٤ هـ‍).

<<  <   >  >>