للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلتُ (١): وَقَدْ أخطأَ فِيهِ غَيْرُ واحدٍ عَلَى غَيْرِ واحدٍ فجَرَحُوهُم بما لا صِحَّةَ لَهُ. ومِنْ ذَلِكَ: جَرْحُ أبي عَبْدِ الرحمانِ النَّسائيِّ لأحمدَ بنِ صالحٍ وَهُوَ حافظٌ إمامٌ ثِقَةٌ (٢) لا يَعْلَقُ بِهِ جَرْحٌ أخرجَ عَنْهُ البُخَارِيُّ فِي " صحيحِهِ ". وقدْ كَانَ منْ أَحْمَدَ إلى النَّسائيِّ جَفاءٌ أفسَدَ قلبَهُ عَلَيْهِ. وَرُوِّينا عَنْ أبي يَعْلَى الخليليِّ الحافظِ قَالَ: ((اتَّفقَ الحُفَّاظُ عَلَى أنَّ كلامَهُ فِيهِ تحامُلٌ ولا يَقْدَحُ كلامُ أمثالِهِ فِيهِ)) (٣).

قلتُ: النَّسائيُّ إمامٌ حُجَّةٌ فِي الجَرْحِ والتَّعْدِيلِ، وإذا نُسِبَ مِثْلُهُ إلى مثلِ هَذَا كَانَ وَجْهُهُ أنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبدِي مَسَاوِيَ (٤) لها فِي الباطنِ مَخارِجُ صَحِيْحَةٌ تُعْمَى عَنْهَا بحِجابِ السُّخْطِ، لا أنَّ ذَلِكَ يقعُ منْ مثلِهِ تَعَمُّداً لِقَدْحٍ يَعْلَمَ بطلانَهُ (٥)، فاعلمْ هَذَا فإنَّهُ منِ النُّكَتِ النَّفيسةِ المهمّةِ.

وَقَدْ مَضَى الكلامُ فِي أحكامِ الجَرْحِ والتَّعدِيلِ فِي النَّوعِ الثَّالِثِ والعشرينَ، واللهُ أعلمُ.

النَّوْعُ الثَّانِي والسِّتُوْنَ

مَعْرِفَةُ مَنْ خَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ مِنَ الثِّقَاتِ (٦)


(١) في (ع) والتقييد: ((قال المؤلف)).
(٢) في (ع) والتقييد: ((وهو إمام حافظ ثقة)).
(٣) الإرشاد ١/ ٤٢٤.
(٤) في (ع): ((مساوئ)) بالهمز؛ وكلاهما جائز كَمَا تقدم، ثمّ إن هَذَا الكلام إشارة إلى قَوْل الشّافعيّ:
وعين الرّضا عن كلّ عيبٍ كليلةٌ ... ولكنّ عين السّخط تبدي المساويا
(٥) انظر: المحاسن: ٥٩١.
(٦) انظر في ذلك:
الإرشاد ٢/ ٧٨٧ - ٧٩٦، والتقريب: ١٩٨، والمنهل الروي: ١٣٧، واختصار علوم الحديث: ٢٤٤ - ٢٤٥، والشذا الفياح ٢/ ٧٤٤ - ٧٨٠، والمقنع ٢/ ٦٦٢ - ٦٦٧، وشرح التبصرة ٣/ ٢٨٣، وفتح المغيث ٣/ ٣٣١ - ٣٥٠، وتدريب الراوي ٢/ ٣٧١ - ٣٨٠، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي: ٢٧٣، وفتح الباقي ٣/ ٢٦٣ - ٢٧٤، وتوضيح الأفكار ٢/ ٥٠٢ - ٥٠٣.

<<  <   >  >>