للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ترابٍ النَّخْشَبِيَّ (١) الزاهدَ سَمِعَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ شيئاً منْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: ((يا شيخُ! لا تغتاب (٢) العُلَمَاءَ. فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ! هَذَا نَصِيحَةٌ لَيْسَ هَذَا غِيبَةً)) (٣). ثُمَّ إنَّ عَلَى الآخِذِ فِي ذَلِكَ أنْ يتَّقيَ اللهَ تباركَ وتعالى وَيَتَثبَّتَ ويَتوقَّى التَّساهلَ كَيْلا يَجْرَحَ سَلِيماً ويَسِمَ بريئاً (٤) بسِمَةِ (٥) سَوْءٍ يَبْقَى عَلَيْهِ الدهرَ عَارُها (٦). وأحسبُ أبا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الرحمانِ بنَ أبي حاتِمٍ وَقَدْ قِيلَ: إِنّهُ كَانَ يُعَدُّ مِنَ الأبدالِ منْ مِثلِ مَا ذَكَرناهُ خافَ، فِيْمَا رُوِّيناهُ أَوْ بَلَغَنا (٧) أنَّ يوسُفَ بنَ الحُسَينِ الرازيَّ وَهُوَ الصُّوفيُّ دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقرأُ كتابَهُ فِي " الجَرْحِ والتَّعْدِيلِ ". فَقَالَ لَهُ: كم مِنْ هؤلاءِ القَوْمِ قَدْ حَطُّوا رواحِلَهم فِي الجنَّةِ منذُ مئةِ سنةٍ ومئتي سنةٍ وأنتَ تَذْكُرُهُمْ وتغتابهم؟ فَبَكَى عَبْدُ الرَّحمانِ (٨). وبَلَغَنا أَيْضَاً أنَّهُ حُدِّثَ، وَهُوَ يَقْرأُ كتابَهُ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِينٍ أنّهُ قَالَ: ((إنا لَنَطْعُنُ عَلَى أقوامٍ لعلَّهم قَدْ حَطُّوا رِحَالَهم فِي الجنَّةِ منذُ أكثرَ مِنْ مئتي سنةٍ)). فَبَكى عَبْدُ الرحمانِ وارتَعَدَتْ يَدَاهُ حَتَّى سَقَطَ الكتابُ منْ يَدِهِ (٩).


(١) هو أبو تراب عسكر بن الحصين النخشبي، توفّي سنة (٢٤٥ هـ‍)، انظر السير ١١/ ٥٤٥.
(٢) هكذا في الأصول الخطية و (م) و (ع) والشذا والكفاية (٩٢ ت، ٤٥ هـ‍) والمقنع ٢/ ٦٥٩، وشرح التبصرة ٣/ ٢٧٩، ومثله في طبقات الحنابلة ١/ ٢٤٩. وظاهر السياق أنه نهيٌ فالقياس: ((لا تغتب)). وجاء في حاشية المحاسن ٥٩٠: ((أنّ توجيهه أن تكون لا: نافية، خرجت إلى النهي)). وضبط النص في التقييد هكذا: ((لا تغتابُ العلماءُ)) ضبط قلمٍ، وجاءت الرّواية في اختصار علوم الحديث ٢/ ٦٦٦ بلفظ: ((أتغتاب العلماء؟!)).
وفي فتح المغيث ٣/ ٢٦٦ بلفظ: ((لا تغتب الناس)). وفي تدريب الرّاوي ٢/ ٣٩٩ بلفظ: ((لا تغتب الْعُلَمَاء))، وقارن بحاشية محقق الرفع والتكميل: ٥٤.
(٣) أخرجه الخطيب في الكفاية: (٩٢ ت، ٤٥ هـ‍)، وراجع المحاسن: ٥٩٠.
(٤) في (ب) و (ع) والتقييد: ((برياً)) بتسهيل الهمزة وتشديد الياء، وهو جائز أيضاً.
(٥) في (م): ((بسمعة)).
(٦) قال ابن دقيق العيد في الاقتراح: ٣٤٤: ((أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدّثون والحكام)).
(٧) في (ع) والتقييد: ((بلغناه)).
(٨) أخرج هذه القصة الخطيب في الكفاية: (٨٢ - ٨٣ ت، ٣٨ هـ‍) وتكملة القصة كما في الكفاية:
((فبكى عبد الرحمان وقال: يا أبا يعقوب لو سمعت هذه الكلمة قبل تصنيفي هذا الكتاب لما صنفته)).
(٩) أخرجها الخطيب في الجامع (١٦١٣).

<<  <   >  >>