للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فخَرَجَ مِنْ ذلكَ أنَّ الشاذَّ المردودَ قسمانِ:

أحدُهُما: الحديثُ (١) الفردُ المخالفُ.

والثاني: الفردُ الذي ليسَ في راويهِ (٢) مِنَ الثقةِ والضبطِ ما يقعُ جابراً لِمَا يوجبُهُ التفرُّدُ والشذوذُ مِنَ النَّكارةِ والضعفِ، واللهُ أعلمُ.


= فالتفرد إذن من المسائل الخطيرة المهمّة وأغمضها إذ تتميز بدورها الفعّال في إلقاء الضوء على ما يكمن في أعماق الرواية من علّة ووهم، ولأهمية التفرد في النقد والتعليل نجد المحدّثين قد أفردوا هذا النوع بالتصنيف بمؤلفات خاصّة. فالتفرد لا يأخذ ضابطاً لردِّ روايات الثقات بل له أحوال مختلفة حتى رواية الضعيف لا يردّ ما ينفرد به مطلقاً، بل الجهابذة الفهماء من الأولين يستخرجون منه ما صحّ من حديثه وقد روى الشيخان عمّن في حفظه شيء لما علما أنّ هذا من صحيح حديث الراوي ومثل هذا لا يستطيعه كلُّ أحد. والتفرد إذا كان بالطبقات المتقدّمة كطبقة الصحابة فإنه لا يضرّ، وكذلك الحال في طبقة كبار التابعين، وذلك إذا كَانَ المتفرد عدلاً ضابطاً، أما إذا كان التفرد في الطبقات المتأخّرة التي من شأنها التعدد والشهرة لا سيما إذا كان عن الرواة المكثرين الذين يكثر تلامذتهم وينقل أحاديثهم جماعة، فذلك أمر يأخذه النقاد بعين الاعتبار فينظرون علاقة المتفرد بالراوي الذي تفرّد عنه، وكيف كانت ملازمته له، وكيف كان يتلقى منه الأحاديث عموماً، وهذا الحديث الذي تفرد به خصوصاً، وحالة ضبطه لما يرويه عامّة وهذا الحديث خاصة ثم الحكم عليه بعد ذلك بحسب مقتضى نظرهم، ولم يكونوا يطلقون فيه حكماً مطرّداً بالقبول إذا كان ثقة أو بالردّ إذا كان ضعيفاً، وإنّما يخضع حكمهم عليه لمنهج علمي دقيق يطبقه حذاق النقاد أصحاب البصيرة والخبرة التامّة بصناعة الحديث؛ وذلك لأنّ الثقة يختلف حاله في الضبط باختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ لخلل يطرأ في كيفية التلقي للأحاديث، أو لعدم توافر الوسائل التي تمكّنه من ضبط ما سمعه من بعض شيوخه. (وانظر: أثر علل الحديث ص ١٣١ - ١٣٧). وراجع بلا بدّ ما دبّجه يراع الدكتور حمزة المليباري - رعاه الله - في كتابه القيّم " الموازنة بين المتقدّمين والمتأخّرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها ": ١٥ - ٣٢.
قال ابن حجر ٢/ ٦٧٣: ((هذا يعطي أن الشاذ والمنكر عنده - يعني: ابن الصلاح - مترادفان. والتحقيق خلاف ذلك على ما سنبينه بعد)).
(١) ساقطة من (جـ).
(٢) في (أ): ((رواته)).

<<  <   >  >>