للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قُلْتُ: فمثالُ المتابعةِ أنْ يرويَ ذلكَ الحديثَ بعينِهِ عَنْ أيُّوبَ غيرُ حمّادٍ، فهذهِ المتابعةُ التامَّةُ (١). فإنْ لَمْ يَرْوِهِ أحدٌ غيرُهُ، عَنْ أيوبَ، لكنْ رواهُ بعضُهُم عَنِ ابنِ سيرينَ أوْ عَنْ أبي هريرةَ، أو رواهُ غيرُ أبي هريرةَ، عنْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فذلكَ قدْ يُطلَقُ عليهِ اسمُ المتابعةِ أيضاً، لكنْ تَقْصُرُ (٢) عَنِ المتابَعَةِ الأُولى بحَسَبِ بُعْدِها مِنْها، ويجوزُ أنْ يُسَمَّى ذلكَ بالشاهدِ أيضاً (٣). فإنْ لَمْ يُرْوَ ذلكَ (٤) الحديثُ أصلاً مِنْ وجهٍ مِنَ الوجوهِ المذكورةِ، لكنْ رُوِيَ حديثٌ آخرُ بمعناهُ، فذلكَ الشاهِدُ من غيرِ متابعةٍ، فإنْ لَمْ يُرْوَ أيضاً بمعناهُ حديثٌ آخرُ، فقد تحقّقَ فيهِ التفرّدُ المطلقُ حينَئِذٍ.

وينقسمُ عندَ ذلكَ إلى: مردودٍ منكرٍ، وغيرِ مردودٍ كما سَبَقَ.

وإذا قالوا في مثلِ هذا: ((تفَرَّدَ بهِ أبو هريرةَ، وتَفَرَّدَ بهِ عَنْ أبي هريرةَ ابنُ سيرينَ، وتَفَرَّدَ بهِ عَنِ ابنِ سيرينَ أيّوبُ، وتَفَرَّدَ بهِ عنْ أيوبَ حمَّادُ بنُ سَلَمَةَ)) كانَ في ذلكَ إشعارٌ بانتفاءِ وجوهِ المتابعاتِ فيهِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أنَّهُ قَدْ يدخلُ في بابِ المتابعةِ والاستشهادِ روايةُ مَنْ لا يحتجُّ بحديثِهِ وَحْدَهُ بلْ يكونُ معدوداً في الضعفاءِ (٥)، وفي كتابَيِ البخاريِّ ومسلمٍ جماعةٌ مِنَ الضعفاءِ


(١) في حاشية نسخة (جـ) جاءت تعليقة نصّها: ((وقد سمّى البيهقي في باب الدباغ ما وقع من ذلك عن شيخ شيخه متابعة، والله أعلم)). وانظر: سنن البيهقي الكبرى ١/ ١٦.
(٢) في (ع) والتقييد فقط: ((يقصر)).
(٣) في حاشية (ب) تعليقة نصّها: ((قال المصنف - رحمه الله تعالى -: سمّى الحاكم في المدخل ... إلى الصحيح المتابعات شواهد، والله تعالى أعلم)). وقد ضمنها البلقيني: ١٨٣ في محاسنه، فيما أوردتها محققة الكتاب عن حاشية نسختين.
(٤) في (ب): ((لذلك)).
(٥) ((لا يقال: عطف الاستشهاد على المتابعة يقتضي تغايرهما، والحاكم في " المدخل " سَمَّى المتابعات شواهد.
لأنا نقول: المغايرة صادقة، بأن لا يسمّي الشواهد متابعات، وأما تسمية المتابعة شاهداً فهو موجود في قوله: ويجوز أن يسمى ذلك بالشاهد أيضاً)). أفاده البلقيني في محاسنه: ١٨٣. وانظر: نكت الزركشي ٢/ ١٧١.

<<  <   >  >>