للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القِسْمُ الثَّاني مِنْ أقْسَامِ الأَخْذِ والتَّحَمُّلِ القِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ، وأكْثَرُ المحدِّثِيْنَ يُسَمُّونَهَا: عَرْضاً، مِنْ حَيْثُ إنَّ القَارئَ يَعْرِضُ عَلَى الشَّيْخِ مَا يَقْرَؤُهُ كَمَا يَعْرِضُ القُرْآنَ عَلَى الْمُقْرِئِ. وسَوَاءٌ كُنْتَ أنْتَ القَارِئَ، أَوْ قَرَأَ غَيْرُكَ وأَنْتَ تَسْمَعُ، أَوْ قَرَأْتُ مِنْ كِتابٍ أَوْ مِنْ حِفْظِكَ، أوْ كَانَ الشَّيْخُ يَحْفَظُ مَا يُقْرَأُ عليهِ، أوْ لاَ يَحْفَظُهُ لَكِنْ يُمْسِكُ أَصْلَهُ هُوَ أوْ ثِقَةٌ غَيْرُهُ. ولاَ خِلاَفَ أنَّهَا رِوَايَةٌ صَحِيْحَةٌ (١) إلاَّ مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ مَنْ لاَ يُعْتَدُّ بخِلاَفِهِ (٢)، واللهُ أعْلَمُ.

واخْتَلَفُوا في أنَّها مِثْلُ السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخَ في المرْتَبَةِ أوْ دُوْنَهُ أوْ فَوْقَهُ، فَنُقِلَ عَنْ أبي حَنِيْفَةَ (٣)، وابنِ أبي ذِئْبٍ (٤) وغَيْرِهِما تَرْجِيْحُ القِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِهِ (٥)، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ (٦) أيْضاً، ورُوِيَ عَنْ مَالِكٍ (٧) وغيرِهِ أنَّهُما سَوَاءٌ (٨). وقَدْ قِيْلَ: إنَّ التَّسْوِيَةَ بيْنَهُما مَذْهَبُ مُعْظَمِ عُلَمَاءِ الحجَازِ والكُوفَةِ، ومَذْهَبُ مَالِكٍ وأصْحَابِهِ وأشْيَاخِهِ مِنْ عُلَمَاءِ المدينةِ، ومَذْهَبُ البخَاريِّ وغَيْرِهِمْ (٩).

والصحيحُ تَرجيحُ السَّمَاعِ (١٠) مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ، والحكْمُ بأنَّ القِرَاءَةَ عليهِ مَرْتَبَةٌ ثَانيةٌ، وقَدْ قِيْلَ: إنَّ هَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ أهْلِ المشْرِقِ (١١)، واللهُ أعلمُ.


(١) الإلماع: ١٠٣.
(٢) ذهب جمع من السلف إلى عدم صحة القراءة على الشيخ، منهم: أبو عاصم النبيل، وعبد الرحمان ابن سلام الجمحي، ووكيع ومحمد بن سلام، ينظر: المحدّث الفاصل: ٤٢٠، والكفاية: (٣٩٥ - ٣٩٨ ت، ٢٧١ - ٢٧٣ هـ‍)، والإبهاج ٢/ ٣٢٢، ونكت الزركشي ٣/ ١٧٩، وفتح المغيث ٢/ ٢٥.
(٣) الكفاية: (٤٠٠ ت، ٢٧٦ هـ‍)، والإلماع: ٧٣، وفي هذين المصدرين يظهر أن لأبي حنيفة أكثر من قول.
(٤) المحدّث الفاصل: ٥٢٢، والكفاية (٤٤٤ ت، ٣٠٩ هـ‍)، والإلماع: ٧١.
(٥) انظر: نكت الزركشي ٣/ ٤٨٠.
(٦) الكفاية: (٤٠١ ت، ٢٧٦ هـ‍)، والإلماع: ٧٣.
(٧) صحيح البخاري ١/ ٢٢، والإلماع: ٧١.
(٨) انظر: نكت الزركشي ٣/ ٤٨١.
(٩) انظر: معرفة علوم الحديث: ٢٥٧ - ٢٥٨، والكفاية: (٣٩٣ - ٣٩٤، ٢٧٠ - ٢٧١ هـ‍)، والإلماع: ٧١.
(١٠) راجع نكت الزركشي ٣/ ٤٨٢.
(١١) الإلماع: ٧٣.

<<  <   >  >>