للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السَّابِعُ: هَلْ يَجُوزُ اخْتِصَارُ الحديثِ الواحدِ (١) وروايةُ بعضِهِ دُونَ بعضٍ؟

اخْتَلَفَ أهلُ العِلْمِ فيهِ:

- فَمِنْهُمْ: مَنْ مَنَعَ مِنْ (٢) ذَلِكَ مُطْلَقاً بِنَاءً عَلَى القَوْلِ بالمنْعِ مِنَ النَّقْلِ بالمعنى مُطْلَقاً، ومِنْهُم مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ مَعَ تَجْوِيزِهِ النَّقْلَ بالمعنى إذا لَمْ يكُنْ قدْ رواهُ عَلَى التَّمامِ مَرَّةً أُخْرَى ولَمْ يَعْلَمْ أنَّ غيرَهُ قدْ رواهُ عَلَى التَّمامِ.

- وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ وأطْلَقَ ولَمْ يُفَصِّلْ. وقَدْ رُوِّيْنا عَنْ مُجَاهِدٍ أنَّهُ قالَ: انْقُصْ مِنَ الحديثِ ما شِئْتَ ولاَ تَزِدْ فيهِ (٣).

والصحيحُ التَّفْصِيلُ، وأنَّهُ يجوزُ ذَلِكَ مِنَ العَالِمِ العَارِفِ، إذا كانَ ما تركَهُ مُتَميِّزاً عَمَّا نَقَلَهُ، غيرَ مُتَعَلِّقٍ بهِ بحيثُ لاَ يَخْتَلُّ البَيَانُ ولاَ تَخْتَلِفُ الدلاَلَةُ فيما نَقَلَهُ بتَرْكِ ما تَرَكَهُ (٤)، فهذا يَنْبَغِي أنْ يُجَوَّزَ وإنْ لَمْ يَجُزِ النَّقْلُ بالمعنى؛ لأنَّ الَّذِي نَقَلَهُ والذي تَرَكَهُ - والحالَةُ هذهِ - بِمَنْزِلَةِ خَبَرَيْنِ مُنْفَصِلَينِ في أمْرَيْنِ لاَ تَعَلُّقَ لأحَدِهِما بالآخَرِ (٥).

ثُمَّ هذا إذا كانَ رفيعَ المنْزِلَةِ بحيثُ لاَ يَتطرَّقُ إليهِ في ذلكَ تُهْمَةُ نَقْلِهِ أوَّلاً تَماماً (٦) ثُمَّ نَقْلِهِ ناقِصاً، أوْ نَقْلِهِ أوَّلاً نَاقِصاً ثُمَّ نَقْلِهِ تامّاً. فأمَّا إذا لَمْ يَكُنْ كذلكَ، فَقَدْ ذَكَرَ الخطيبُ الحافِظُ أنَّ مَنْ رَوى حديثاً عَلَى التمامِ، وخافَ إنْ رواهُ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى النُّقْصانِ أنْ يُتَّهَمَ بأنَّهُ زادَ في أوَّلِ مرَّةٍ مَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ، أو أنَّهُ نَسِيَ في الثاني باقِيَ الحديثِ لِقِلَّةِ ضَبْطِهِ وكَثْرَةِ غَلَطِهِ، فَوَاجِبٌ عليهِ أنْ يَنْفِيَ هذهِ الظِّنَّةَ عَنْ نَفْسِهِ (٧).


(١) راجع: نكت الزركشي ٣/ ٦١٢.
(٢) سقطت من (م).
(٣) أسنده الخطيب في الكفاية: (٢٨٩ ت، ١٨٩ هـ‍).
(٤) انظر: محاسن الاصطلاح: ٣٣٤.
(٥) انظر: المصدر السابق.
(٦) في (م): ((تامّاً)).
(٧) الكفاية: (٢٩٣ ت، ١٩٣ هـ‍).

<<  <   >  >>