للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالَ سُحَيْمُ بنُ وُثَيْلٍ (١):

أخُو خَمْسِيْنَ مُجْتَمِعٌ أَشُدِّي ... ونَجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ الشُّؤُونِ (٢)

قالَ: ((وليسَ بِمُنْكَرٍ أنْ يُحَدِّثَ عِندَ اسْتِيْفاءِ الأرْبَعينَ؛ لأنَّها حَدُّ الاسْتواءِ ومُنْتَهى الكَمالِ؛ نُبِّئَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهوَ ابنُ أربعينَ، وفي الأربعينَ تَتَناهَى عَزِيْمَةُ الإنْسَانِ وقُوَّتُهُ ويَتَوَفَّرُ عَقْلُهُ ويَجُودُ رَأْيُهُ)) (٣).

وأنْكَرَ القاضِي عِيَاضٌ ذَلِكَ عَلَى ابنِ خَلاَّدٍ، وقالَ: ((كَمْ مِنَ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِينَ ومَنْ بَعْدَهُمْ (٤) مِنَ المحدِّثِينَ مِنْ لَمْ يَنْتَهِ إلى هذا السِّنِّ (٥) وماتَ قَبلَهُ، وقدْ نَشَرَ مِنَ الحديثِ والعِلْمِ ما لاَ يُحْصَى. هذا عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ تُوفِّيَ وَلَمْ يُكْمِلِ الأرْبَعينَ، وسَعيدُ بنُ جُبيرٍ لَمْ يَبلُغِ الخمْسِينَ. وكذلكَ إبراهيمُ النَّخَعِيُّ، وهذا مالِكُ بنُ أنسٍ جلَسَ للنَّاسِ ابنَ نَيِّفٍ وعِشْرينَ، وقيلَ: ابنُ سَبْعَ عَشْرَةَ، والنَّاسُ مُتَوَافِرُونَ وشُيُوخُهُ أحياءٌ. وكذلكَ مُحَمَّدُ بنُ إدْريسَ الشَّافِعِيُّ قَدْ أُخِذَ عنهُ العِلْمَ في سِنِّ الحدَاثَةِ وانتَصَبَ لِذَلِكَ)) (٦)، واللهُ أعلم.


(١) هو سحيم بن وثيل - بالمثلثة مصغّر - الرياحي، شاعر مخضرم، قال ابن دريد: عاش في الجاهلية أربعين وفي الإسلام ستين. انظر: الإصابة ٢/ ١١٠.
(٢) هو في الكامل ١/ ٣٠٤، والصحاح ٢/ ٥٧١، وأساس البلاغة: ٦١٩، واللسان ٣/ ٥١٣، وتاج العروس ٩/ ٤٨٥. وقوله: ((أخو خمسين))، أي: أنا أخو خمسين سنة، واجتماع الأشد: عبارة عن كمال القوى في البدن والعقل، ومعنى: نجذني، أي: جعلني ذا تجربة وخبرة، يقال: رجل منجِّذ
- بضم الميم وفتح الجيم أو كسرها - الذي جَرَّب الأمور وعرفها وأحكمها، وهو المجرّب، قال اللحياني: المنجذ هو الذي أصابته البلايا. والمداورة: المعالجة والمزاولة، والشؤون: الأمور، يعني: مداولة الأمور ومعالجتها. انظر: اللسان ٣/ ٥١٣، وحاشية الإلماع: ٢٠٠.
(٣) المحدّث الفاصل: ٣٥٢، ونقله عنه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (٧١٦)، والقاضي عياض في الإلماع: ٢٠٠.
(٤) عبارة: ((ومن بعدهم)) سقطت من (م).
(٥) في الشذا: ((الشيء)).
(٦) الإلماع: ٢٠ - ٢٠٤.

<<  <   >  >>