للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثَّانِيَةُ: تَصنيفُهُ عَلَى المسانِيدِ، وجمعُ حديثِ كُلِّ صَحابيٍّ وَحْدَهُ وإنِ اخْتَلَفتْ أنواعُهُ، ولِمَنِ اخْتارَ ذَلِكَ أنْ يُرَتِّبَهُمْ (١) عَلَى حروفِ المعجمِ في أسْمائِهِمْ، ولهُ أنْ يُرَتِّبَهُم عَلَى القبائِلِ، فَيَبْدأَ ببني هاشِمٍ ثُمَّ بالأقْرَبِ نَسَباً مِنْ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ولهُ أنْ يُرَتِّبَ عَلَى سَوَابِقِ الصَّحابَةِ، فَيَبْدأَ بالعَشَرَةِ، ثُمَّ بأهْلِ بَدْرٍ، ثُمَّ بأهلِ الْحُديْبِيَةِ، ثُمَّ بِمَنْ أسْلَمَ وهَاجَرَ بينَ الْحُديْبِيَةِ وفَتْحِ مَكَّةَ، ويَخْتِمُ بأصَاغِرِ الصَّحَابَةِ كأبي الطُّفَيْلِ ونِظرائِهِ، ثُمَّ بالنِّسَاءِ، وهذا أحْسَنُ، والأوَّلُ أسْهلُ. وفي ذَلِكَ مِنْ وُجوهِ التَّرْتيبِ غيرُ ذَلِكَ.

ثُمَّ إنَّ مِنْ أعلى المراتِبِ في تَصنيفِهِ تَصنيفَهُ مُعَلَّلاً (٢)، بأنْ يَجْمَعَ في كُلِّ حديثٍ طُرُقَهُ واخْتِلافَ الرواةِ فيهِ، كما فَعَلَ يَعْقُوبُ بنُ شَيْبَةَ في " مُسندِهِ ". ومِمَّا يَعْتَنُونَ بهِ في التَّأليفِ جَمْعُ الشُّيُوخِ، أي: جَمْعُ حديثِ شُيوخٍ مَخْصُوصِينَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُم عَلَى انفرَادِهِ. قالَ عُثمانُ بنُ سَعِيدٍ الدارميُّ: ((يُقَالُ مَنْ لَمْ يَجْمَعْ حديثَ هَؤُلاءِ الخمسَةِ فهوَ مُفْلِسٌ في الحديثِ: سُفْيَانُ، وشُعْبَةُ، ومالِكٌ، وحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وابنُ عُيينةَ، وهمْ أصُولُ الدينِ)) (٣).

وأصْحابُ الحديثِ يَجْمَعُونَ حديثَ خَلقٍ كثيرٍ غيرَ الذينَ ذَكَرَهُمُ الدارميُّ، مِنْهُم: أيُّوبُ السّختيانيُّ، والزُّهْرِيُّ، والأوْزاعِيُّ، ويَجْمَعُونَ أيضاً التَّراجِمَ، وهيَ أسانِيدُ يَخصُّونَ (٤) ما جاءَ بها بالجمْعِ والتأليفِ، مثلُ: تَرْجَمةِ مالِكٍ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، وتَرْجَمةِ سُهَيْلِ بنِ أبي صَالِحٍ، عَنْ أبيهِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، وتَرجَمةِ هِشَامِ بنِ عُرْوةَ، عَنْ أبيهِ، عَنْ عائشَةَ، في أشباهٍ لِذَلِكَ كثيرةٍ، ويَجْمَعُونَ أيْضاً أبواباً مِنْ أبوابِ الكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ الجامِعَةِ للأحْكامِ فَيُفْرِدونَها بالتَّأْلِيفِ، فَتَصِيْرُ كُتُباً مُفْرَدَةً، نحوُ: بابِ رُؤْيةِ اللهِ - عَزَّوَجَلَّ -، وبابِ رَفْعِ اليدينِ، وبابِ القراءةِ خَلْفَ الإمامِ، وغيرِ ذَلِكَ. ويُفْرِدونَ


(١) في الشذا: ((يرتبه))، وكذا ما بعدها.
(٢) في (أ) و (ع): ((في تصنيفه معللاً)).
(٣) أخرجه الخطيب في الجامع (١٩٠٧).
(٤) في (ب): ((يحصون)).

<<  <   >  >>