للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكَانَ للشَّافِعِيِّ - رضي الله عنه - فيهِ يَدٌ طُولَى وسَابِقَةٌ أُوْلَى. رُوِّيْنا عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُسْلِمِ بنِ وارَةَ (١) - أحَدِ أئِمَّةِ الحديثِ - أنَّ أحمدَ بنَ حَنْبَلٍ قالَ لهُ وقدْ قَدِمَ مِنْ مِصْرَ (٢): ((كَتَبْتَ كُتُبَ الشَّافِعِيِّ؟ فقالَ: لا. قالَ فَرَّطْتَ، ما عَلِمْنا المجْمَلَ مِنَ المفَسَّرِ ولا ناسِخَ حديثِ رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَنْسُوخِهِ حَتَّى جَالَسْنا الشَّافِعِيَّ)).

وفيمَنْ عَانَاهُ مِنْ أهلِ الحديثِ مَنْ أدخَلَ فيهِ ما ليسَ منهُ لِخَفاءِ مَعْنَى النَّسْخِ وشَرْطِهِ. وهوَ عبارةٌ عَنْ رَفْعِ الشَّارِعِ حُكْماً منهُ مُتَقَدِّماً بِحُكْمٍ منهُ مُتَأَخِّرٍ (٣). وهذا حَدٌّ وَقَعَ لنا سالِمٌ مِنِ اعْتِراضاتٍ وَرَدَتْ عَلَى غيرِهِ (٤).

ثُمَّ إنَّ ناسِخَ الحديثِ ومَنْسُوخِهِ يَنْقَسِمُ أقْسَاماً:

فمِنْها ما يُعْرَفُ بِتَصْرِيحِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بهِ. كَحَدِيثِ بُرَيْدَةَ (٥) الذي أخرجَهُ مُسْلِمٌ في " صَحِيْحِهِ "؛ أنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيارَةِ القُبُورِ، فَزُورُوها)) (٦) في أشْباهٍ لِذَلِكَ.


(١) ترجمته في تاريخ دمشق ٥٥/ ٣٨٨، والسير ١٣/ ٢٨.
(٢) أخرجه أبو نعيم في الحلية ٩/ ٩٧، والحازمي في الاعتبار: ٣.
(٣) قال العراقي في التقييد والإيضاح: ٢٨٧: ((هذا الذي حده به المصنف، تبع فيه القاضي أبا بكر الباقلاني، فإنه حده برفع الحكم واختاره الآمدي وابن الحاجب قال الحازمي: وقد أطبق المتأخرون عَلَى ما حده به القاضي أنه الخطاب الدال عَلَى ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم عَلَى وجه لولاه لكان ثابتاً مع تراخيه عنه، قال الحازمي: وهذا حدٌ صحيح ... انتهى. وقد اعترض عليه بأن التعبير برفع الحكم ليس بجيد؛ لأن الحكم قديم لا يرتفع، والجواب عنه أنَّهُ إنما المراد برفع الحكم قطع تعلقه بالمكلف، واعترض صاحب المحصول أيضاً عَلَى هذا الحد بأوجه أخر في كثير منها نظر ليس هذا موضع إيرادها)). وانظر: البحر المحيط ٤/ ٦٥، والاعتبار: ٥.
(٤) اعترض ابن الملقن عَلَى هذا التعريف بعدة اعتراضات، ينظر: المقنع ٤/ ٤٥١ - ٤٥٢.
(٥) هو بريدة بن الحُصَيْب -بمهملتين- مصغراً، أبو سَهْل الأسلمي صَحابي أسلم قبل بدر. التقريب (٦٦٠).
(٦) صحيح مسلم ٣/ ٦٥ (٩٧٧) و ٦/ ٨٢ (١٩٧٧) (٣٧) و ٦/ ٩٨ (٩٧٧) (٦٣)، وانظر تفصيل تخريجه في شرح التبصرة ٢/ ٤١٧.

<<  <   >  >>