للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحَسَبِ تمكُّنِ الحديثِ مِنَ الصفاتِ المذكورةِ التي تَنْبَنِي (١) الصِّحَّةُ عليها، وتنقسمُ باعتبارِ ذلكَ إلى أقسامٍ يُسْتَعْصَى إحْصاؤُها على العادِّ الحاصرِ.

ولهذا نرى الإمساكَ عَنِ الحكمِ لإسنادٍ أو حديثٍ بأنَّهُ الأصحُّ على الإطلاقِ (٢) على أنَّ جماعةً مِنْ أئِمَّةِ الحديثِ خاضُوا غَمْرَةَ (٣) ذلكَ، فاضطربَتْ أقوالُهُم. فَرُوِّيْنا (٤) عنْ إسحاقَ بنِ راهَوَيْهِ (٥) أنَّهُ قالَ: ((أصحُّ الأسانيدِ كلِّها: الزُّهريُّ عنْ


(١) في (أ): ((تنبئ))، وفي (ب): ((يبتني))، وفي (جـ): ((تبنى))، وما أثبتناه من (ع) و (م) والتقييد والشذا الفياح.
(٢) قال العراقي في شرح التبصرة ١/ ١١٤ (بتحقيقنا): ((القول المعتمد عليه المختار: أنّه لا يطلق على إسناد معين بأنّه أصحّ الأسانيد مطلقاً؛ لأنّ تفاوت مراتب الصحَّة مترتب على تمكُّن الإسناد من شروط الصحة؛ ويعزّ وجود أعلى درجات القبول في كلّ فردٍ فردٍ من ترجمة واحدة بالنسبة لجميع الرواة)).
وانظر: نكت الزركشي ١/ ١٣١ - ١٥٧، والتقييد والإيضاح ٢٢، ونكت ابن حجر ١/ ٢٤٧ - ٢٦٢.
(٣) خاضوا، أي: اقتحموا. انظر: التاج ١٨/ ٣٢٢.
والغَمْرُ مِنَ الماءِ: خلافُ الضَّحْل، وهو الذي يعلو مَنْ يدخله ويغطّيه. وغَمْرُ البحرِ: معظمه، والغَمْرة: الشدَّة، والماء الكثير. انظر: اللسان ٥/ ٢٩، والمعجم الوسيط ١/ ٢٦٢.
وبيَّن السيوطي في شرح ألفية العراقي (ص ١٠٠) معنى هذا فقال: ((أي: مشوا فيه، من تشبيه المعقول بالمحسوس، للإشارة إلى أن المتكلّم في ذلك كالخائض في الماء، الماشي في غير مظنة المشي، وهو يؤذن بعدم التمكن، ولهذا اختلفوا فيه على أقوال كثيرة)).
(٤) قال البقاعي في النكت الوفية ٢٩٤ ب: ((قوله: رُوِّيْنا، مضبوط في نسخ عديدة - بضمِّ الراء وتشديد الواو المكسورة - وهذا اصطلاح لابن الصلاح، سَلَكَهُ؛ لشدّة التَّحرِّي، وَهُوَ أنه إذا حدّث بما حمَلَهُ
[ممّن لَقِيَهُ هو وسَمِعَ منه مباشرةً] قال: رَوَيْنا - بالفتح والتخفيف - أي: نَقَلْنَا لغَيْرِنا، وإلاّ قال بالضمِّ - رُوِّيْنا - أي: نقل لنا شيوخُنا)) أ. هـ. وما بين المعكوفتين من كلام أبي غدّة، وانظر: نكت الزركشي ١/ ١٢٨، وتوجيه النظر ٢/ ٩٢١ مع تعليق المحقّق.
قال الزمخشري: ((ومنه قولهم: هو راوية للحديث، وروى الحديثَ: حمله، من قولهم: البعير يروي الماءَ، أي: يحمله، وحديثٌ مروِيٌّ، وهم رواة الأحاديث وراووها: حاملوها، كما يقال: رواة الماء)). أساس البلاغة: ٢٦٠.
قال الزركشي ١/ ١٢٩: ((ولهذا أطلقوا على المزادة التي يحمل فيها: راوية من باب مجاز المجاورة، فإن راوية صيغة مبالغة، وهي حقيقة للجمل، فإطلاقه على ظرف الماء مجاز، وليس هذا من باب: أروي الرباعي حتّى يستحقه الماء دون الجمل؛ لأن اسم الفاعل منه: مَرْوٍ لا راوية، وإنما يأتي راوية من الثلاثي)). وانظر: اللسان ١٤/ ٣٤٨.
(٥) قال الزركشي في نكته ١/ ١٢٩: ((يجوز في (راهويه) فتح الهاء والواو وإسكان الياء، ويجوز ضمُّ الهاء وإسكان الواو وفتح الياء، وهذا الثاني هو المختار. وعن الحافظ جمال الدين المزّي أنّه قال: غالب ما عند المحدّثين (فعلويه) - بضم ما قبل الواو - إلاّ (راهويه) فالأغلب فيه عندهم فتح ما قبل الواو)). وانظر: الأنساب ٣/ ٣٧، وسير أعلام النبلاء ١١/ ٣٥٨، وتدريب الراوي ١/ ٣٣٨. =
=أمّا معناه فقد قال الزركشي ١/ ١٣١: ((واعلم أن (راهويه) لقب لجده، وسمِّي بذلك؛ لأنه وُلِدَ في الطريق، والرهو: الطريق، وكان أبوه يكره أن يسمّى به)). وانظر: تهذيب الكمال ١/ ١٧٦.

<<  <   >  >>