للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التَّمِيْمِيُّ (١) ١) على ذلكَ أنَّ أجلَّ الأسانيدِ ((الشافعيُّ، عنْ مالكٍ، عنْ نافعٍ، عنْ ابنِ

عمرَ))، واحْتَجَّ بإجماعِ أصحابِ الحديثِ على أنَّهُ لَمْ يكنْ في الرّواةِ عَنْ مالكٍ أجلُّ مِنَ الشافعيِّ - رضيَ اللهُ عنهم أجمعينَ -، واللهُ أعلمُ (٢).

الثانيةُ (٣): إذا وجدنا فيما يُروى مِنْ أجزاءِ الحديثِ وغيرِهَا حديثاً صحيحَ الإسنادِ، ولَمْ نجدْهُ في أحدِ ((الصحيحينِ))، ولا منصوصاً على صِحَّتِهِ في شيءٍ مِنْ مُصَنَّفَاتِ أئمَّةِ الحديثِ المعتمدةِ المشهورةِ، فإنَّا لا نتجاسرُ على جَزْمِ الْحُكْمِ بصِحَّتِهِ (٤)، فقدْ تَعَذَّرَ في هذهِ الأعصارِ الاستقلالُ بإدراكِ الصحيحِ بمجَرَّدِ اعتبارِ الأسانيدِ؛ لأنَّهُ مَا مِنْ إسنادٍ مِنْ ذلكَ إلاَّ وتجدُ في رجالِهِ مَنِ اعْتَمَدَ في روايتِهِ عَلَى مَا في كتابِهِ عَرِيّاً عمَّا يُشترطُ في الصحيحِ مِنَ الحِفْظِ والضَّبْطِ والإتْقَانِ. فآلَ الأمرُ - إذنْ - في معرفةِ الصحيحِ والحسنِ، إلى الاعتمادِ عَلَى مَا نصَّ عليهِ أئمَّةُ الحديثِ في تصانيفِهِم المعتمدةِ المشهورةِ، الَّتِي يُؤمَنُ فِيْهَا؛ لِشُهْرَتِها مِنَ التَّغييرِ والتَّحريفِ، وصارَ مُعظمُ المقصودِ بما يُتَدَاولُ مِنَ الأسانيدِ خارجاً عنْ ذلكَ، إبقاءَ سلسلةِ الإسنادِ التي خُصَّتْ بها هذهِ الأُمّةُ (٥)، زادها اللهُ تعالى شرفاً، آمينَ.


(١) هو عبد القاهر بن طاهر البغدادي، عالم متقن من أئمة الأصول، له مؤلفات منها: الفرق بين الفرق، ونفي خلق القرآن، ومعيار النظر وغيرها، توفي سنة (٤٢٩ هـ). وفيات الأعيان ١/ ٢٩٨، طبقات السبكي ٣/ ٢٣٨، الأعلام ٤/ ١٧٣.
(٢) انظر عن هذه المسألة: نكت الزركشي ١/ ١٤١، ومحاسن الاصطلاح: ٨٦، ونكت ابن حجر ١/ ٢٦٢.
(٣) راجع فيما يخصّ التصحيح في العصور المتأخرة: نكت الزركشي ١/ ١٥٨، والتقييد والإيضاح: ٢٣، ونكت ابن حجر ١/ ٢٦٦. وكَتَبَ محقّق الشذا الفياح ١/ ٧١ تعليقاً موفقاً جداً، وقد نقلناه في شرح التبصرة ١/ ١٥٠، فراجعه فإنه نفيس.
(٤) في (ب): ((على صحته)).
(٥) خالف الإمامُ النوويُّ ابنَ الصلاحِ فيما ذهب إليه، فقالَ في التقريب: ٤١: ((والأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته)).
قال العراقي في التقييد: ٢٣: ((وما رجَّحه الإمام النووي هو الذي عليه عمل أهل الحديث، فقد صحَّحَ جماعة من المتأخّرين أحاديث لم نجد لمن تقدّمهم فيها تصحيحاً ... )).
وقالَ الشيخ أحمد شاكر في الباعث الحثيث: ٢٩: ((هذا هو الصواب))، ثمَّ علَّل ما ذهب إليه ابن الصلاح فقال: والذي أراه أنَّ ابن الصلاح ذهب إلى ما ذهب إليه بناء على القول بمنع الاجتهاد بعد الأئمة، فكما حظروا الاجتهاد في الفقه، أراد ابن الصلاح أن يمنع الاجتهاد في الحديث. وهيهات!!! فالقول بمنع الاجتهاد قول باطل لا برهان عليه من كتاب ولا سنة، ولا تجد له شبه دليل))، وقارن بما سبق. وانظر: التعليق على شرح التبصرة والتذكرة ١/ ١٥٠ - ١٥٤.

<<  <   >  >>