للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثُمَّ إنَّ كتابَ البخاريِّ أصحُّ الكتابَيْنِ صحيحاً وأكثرُهُما فوائدَ (١). وأمَّا ما رُوِّيْناهُ عنْ أبي عليٍّ الحافظِ النَّيْسابوريِّ أستاذِ الحاكمِ أبي عبدِ اللهِ (٢) الحافِظِ مِنْ أنَّهُ قالَ: ((ما تحتَ أديمِ السماءِ كتابٌ أصحُّ مِنْ كتابِ مُسلمِ بنِ الحجَّاجِ)) (٣) فهذا وقولُ مَنْ فضَّلَ مِن شيوخِ المغربِ كتابَ مسلمٍ على كتابِ البخاريِّ إن كانَ المرادُ بهِ أنَّ كتابَ مسلمٍ يترجَّحُ بأنَّهُ لَمْ يُمَازجْهُ غيرُ الصحيحِ، فإنَّهُ ليسَ فيهِ بعدَ خُطبتِهِ إلاَّ الحديثُ الصحيحُ مسروداً غيرَ ممزوجٍ بمثلِ ما في كتابِ البخاريِّ في تراجمِ أبوابِهِ مِنَ الأشياءِ التي لَمْ يُسندْها على الوصفِ المشروطِ في الصحيحِ فهذا لا بأسَ بهِ (٤). وليسَ يلزمُ منهُ أنَّ كتابَ مسلمٍ أرجحُ فيما يرجعُ إلى نفسِ الصحيحِ على كتاب البخاريِّ، وإنْ كانَ المرادُ بهِ أنَّ كتابَ مسلمٍ أصحُّ صحيحاً، فهذا مردودٌ على مَنْ يقولُهُ، واللهُ أعلمُ.

الرابعةُ: لَمْ يَستوعبا الصحيحَ في صحيحَيْهِما ولا التزما ذلكَ (٥)، فقدْ رُوِّيْنا عنِ البخاريِّ أنَّهُ (٦) قالَ: ((ما أدخلْتُ في كتابي " الجامعِ " إلاَّ ما صحَّ، وتركْتُ مِنَ الصِّحَاحِ لحالِ الطُّولِ)) (٧). ورُوِّيْنا عنْ مسلمٍ أنَّهُ قالَ: ((ليسَ كُلُّ شيءٍ عندي،


(١) انظر في المفاضلة بين الصحيحين: نكت الزركشي ١/ ١٦٥، ونكت ابن حجر ١/ ٢٨١، والبحر الذي زخر ٢/ ٥٣٠.
(٢) ((أستاذ الحاكم أبي عبد الله)) سقطت من (ب).
(٣) أسنده الخطيب في تاريخ بغداد ١٣/ ١٠١ بمعناه. وللعلماء في توجيه هذا الكلام مباحثات. انظر: صيانة صحيح مسلم: ٦٩، وسير أعلام النبلاء ١٦/ ٥٥، وهدي الساري: ١٢، والنزهة: ٨٦، وتدريب الراوي ١/ ٩٣ - ٩٥.
(٤) قال العراقي في التقييد ٢٦: ((قلت: قد روى مسلم بعد الخطبة في كتاب الصلاة بإسناده إلى يحيى بن أبي كثير أنه قال: ((لا يستطاع العلم براحة الجسم))، فقد مزجه بغير الأحاديث، ولكنه نادر جداً بخلاف البخاري، والله أعلم)).
قلنا انظر: صحيح مسلم ٢/ ١٠٥ ط إستانبول، و ١/ ٤٢٨ (١٧٥) ط عبد الباقي.
(٥) انظر: نكت الزركشي ١/ ١٧٢ - ١٧٥.
(٦) في (م): ((أن)) تحريف.
(٧) رواه ابن عدي في الكامل ١/ ٢٢٦، وفي أسماء مَن روى عنهم البخاري (٤ أ)، والخطيب في تاريخ بغداد ٢/ ٨ - ٩، والحازمي في شروط الأئمة الخمسة: ٦٢ - ٦٣، وانظر: هدي الساري ١٨.

<<  <   >  >>