للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهوَ واسعُ الخَطْوِ في شرطِ الصحيحِ، متساهِلٌ في


= نعم ... القوم معذورون فإنه قال عقب أحاديث أخرجها: هو صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بفلان وفلان - يعني: المذكورين في سنده -، فهذا منه جنوح إلى إرادة نفس رجال الصحيح، وهو يخالف ما ذكره في مقدمة كتابه)).
وقد تعقَّب الحافظُ ابنُ حجر شيخَهُ العراقيَّ الذي تبنّى رأي الزركشي نفسه كما في التقييد ٢٩، فقال في نكته ١/ ٣٢٠ مستدركاً: ((قلت: لكن تصرف الحاكم يقوي أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما شيخنا - رحمه الله تعالى - فإنه إذا كان عنده الحديث قد أخرجا أو أحدهما لرواته، قال: صحيح على شرط الشيخين أو أحدهما، وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له قال: صحيح الإسناد حسب. ويوضّح ذلك قوله - في باب التوبة - لَمَّا أورد حديث أبي عثمان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: ((لا تنزع الرحمة إلاّ من شقيٍّ)). قال: هذا حديث صحيح الإسناد، وأبو عثمان هذا ليس هو النهدي، ولو كان هو النهدي لحكمت بالحديث على شرط الشيخين)).
فدلَّ هذا على أنه إذا لم يخرجا لأحد رواة الحديث لا يحكم به على شرطهما، وهو عين ما ادَّعى ابن دقيق العيد وغيره. وإن كان الحاكم قد يغفل عن هذا في بعض الأحيان، فيصحح على شرطهما بعض ما لم يخرجا لبعض رواته، فيحمل ذلك على السهو والنسيان ويتوجه به حينئذ عليه الاعتراض، والله أعلم)).
وفي صدد إيضاح منهج الحاكم في مستدركه وما أثارته مقالته في الشرط مع كثرة تعويل بعض المتعالمين على قوله هذا، قال الإمام الزركشي - رحمه الله - موضحاً الأمر ومجلّياً ما قد خفي على هؤلاء الذين كان قصارى علمهم النقل، وتلقي الكلام على علاّته، والتسليم له من غير بحث وتدقيق. قال في نكته ١/ ١٩٨:
((ثم إنه خالف الاصطلاحين في أثناء كتابه، وقال - لما أخرج التاريخ والسير -: ((ولا بدَّ لنا من نقل كلام ابن إسحاق والواقدي)).
واعلم أن ما اعتمده في تخريجه أن يرى رجلاً قد وثَّق وشهد له بالصدق والعدالة، أو حديثه في الصحيح، فيجعل كل ما رواه هذا الراوي على شرط الصحيح، وفيه توقف ظاهر فإنه إنما يكون على شرط الصحيح إذا انتفت عنه العلل والشذوذ والنكارة وتوبع عليه، فأما مع وجود ذلك أو بعضه فلا يكون صحيحاً ولا على شرط الصحيح.
ومن تأمل كلام البخاري ونظر في تعليله أحاديث جماعة أخرج حديثهم في صحيحه عَلِمَ إمامته وموقعه من هذا الشأن، وتبين له ما ذكرنا وأن الحال ليس مطّرداً على قانون واحد.
ونظير هذا من يرى الرجل قد تُكُلِّم في بعض حديثه وضُعِّف في شيخ أو في حديث، فيجعل ذلك سبباً لتعليل حديثه، وتضعيفه أين وجده، كما يفعله كثير من المتأخرين من الظاهرية وغيرهم، وهو غلط فإن تضعيفهم في رجل أو في حديث ظهر فيه غلطه لا يوجب ضعف حديثه مطلقاً.
ثمَّ العجب منه في شيئين:
أحدهما: أنه يخرج الحديث ويقول: ((على شرط الشيخين)) أو أحدهما، ويكون الحديث بذلك اللفظ فيهما أو في أحدهما وقد وقع له ذلك في أحاديث)) ... فساق عشرة أمثلة ثم قال:
((الأمر الثاني: ما يدعي أنه على شرط البخاري، وقد ذكره البخاري على خلافه: منها: ما أخرجه عن سعيد بن عامر، عن شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن وجد تمراً فليفطرْ عليهِ، ومَنْ لا فليفطرْ على الماء فإنه طهور)).

<<  <   >  >>